والأعوام الجمة ثم تبدو له بادية عنها فيرجع أشد ما كان عداوة لما كان ينصر ولا هل لك المقالة التي كان يدين بصحتها وينصرف يقاتل في إبطالها ويناظر في إفسادها ويعتقد من ضلالها وضلال أهلها الذي كان يعتقد من صحتها ويعجب الآن من نفسه امس وربما عاد إلى ما كان عليه او خرج إلى قول ثالث قالوا فدل هذا على فساد الأدلة وعلى تكافؤها جملة وأن كل دليل فهو هادم الآخر كلاهما بهدم صاحبه وقالوا أيضا لا يخلو من حقق شيئا فمن هذه الديانات أو المقالات من أن يكون صح له أو لم يصح له ولا سبيل إلى قسم ثالث قالوا فإن كان لم يصح له بأكثر من دعواه أو من تقليده مدعيا فليس هو أولى من غيره بالصواب وإن كان صح له فلا يخلو من أن يكون صح له بالحواس أو بعضها أو بضرورة العقل وبديهيته أو صح له بدليل ما غير هذين ولا سبيل إلى قسم رابع فإن كان صح له بالحواس أو ببعضها أو بضرورة العقل وبديهته فيجب أن لا يختلف في ذلك أحد كما لم يختلفوا فيما أدرك بالحواس وبديهة العقل من أن ثلثه أكثر من اثنين وأنه لا يكون المرء قاعدا قائما معا بالعقل فلم يبق إلا أن يقولوا أنه صح لنا بدليل غير الحواس فنسألهم عن ذلك الدليل بماذا صح عندكم بالدعوى فلستم بأولى من غيركم في دعواه أم بالحواس وبديهة العقل فكيف خولفتهم فيه هذا ولا يختلف في مدركاته أحد أم بدليل غير ذلك وهكذا أبدا إلى ما لا نهاية له قالوا وهذا ما لا مخلص لهم منه قالوا ونسألهم أيضا عن علمهم بصحة ما هم عليه أيعلمون أنهم يعلمون ذلك أم لا فإن قالوا لا نعلم ذلك أحالوا وسقط قولهم وكفونا مؤونتهم لأنهم يقرون أنهم لا يعلمون أنهم يعلمون ما علموا وهذا هوس وإفساد لما يعتقدونه وإن قالوا بل نعلم ذلك سألناهم أبعلم علموا ذلك أم بغير علم وهكذا أبدا وهذا يقتضي أن يكون للعلم علم ولعلم العلم علم إلى ما لا نهاية له وهذا عندهم محال .
قال أبو محمد هذا كل ما موهوا به ما نعلم لهم شغبا غير ما ذكرنا ولهم متعلق سواء أصلا بل قد زدناهم فما رأينا لهم وتقصيناه لهم بغاية الجهد كما فعلنا بأهل كل مقالة .
قال أبو محمد وكل هذا الذي موهوا به منحل بيقين ومنتقض بابين برهان بلا كثير كلفة ولم تجد أحدا من المتكلمين السالفين أورد بابا خالصا في النقض على هذه المقالة ونحن إن شاء الله تعالى ننقض كل ما موهوا به بالبراهين الواضحة وبالله تعالى التوفيق وذلك بعد أن نبين فساد معاقد هذه الطوائف المذكورة إن شاء الله D .
قال أبو محمد فنقول وبالله تعالى نتأيد أما الطائفة المتحيرة فقد شهدت على انفسها بالجهل وكفت خصومها مؤنتها في ذلك وليس جهل من جهل حجة على علم من علم ولا من لم يتبين له الشيء غبارا على من تبين له بل من علم فهو الحجة على من جهل هذا هو الذي لا يشك أحد فيه في جميع العلوم والصناعات وكل معلوم يعلمه قوم ويجهله قوم ولا أحمق ممن يقول لما جهلت أنا أمر كذا ولم أعرفه علمت آن كل أحد جاهل له كجهل وهذه صفة هؤلاء القوم نفسها ولو ساغ هذا لأحد لبطلت الحقائق وجميع المعارف وجميع الصناعات إذ لكل شيء منها من يجهله من الناس نعم ومن لا يتحجج فيه ولا يفهمه وأن طلبه هذا آمر مشاهد بالحواس فهم قد أقروا بالجهل وندعى نحن العلم بحقيقة ما اعترفوا بجهلهم به فالواجب عليهم أن ينظروا في براهين المدعين للمعرفة بما جهلوه نظرا صحيحا مقتضى بغير هوى فلا بد يقينا من أن يلوح حقيقة قول المحق وبطلان قول المبطل فتزول عنهم الحيرة والجهل حينئذ فسقطت هذه المقالة بيقين والحمد لله رب العالمين .
وأما من قطع بأن ليس ها هنا مذهب صحيح أصلا فإن قوله ظاهر الفساد بيقين لا إشكال فيه لأنهم أثبتوا حقيقة وجود العالم بما فيه وحقيقة