أن النفس هي الفعالة الكاسبة المجزية المخطئة وقال تعالى أن النفس لأمارة بالسوء ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب وقال تعالى ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون وقال تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله فصح أن الأنفس منها ما يعرض على النار قبل يوم القيامة فيعذب ومنها ما يرزق وينعم فرحا ويكون مسرورا قبل يوم القيامة ولا شك أن أجساد آل فرعون وأجساد المقتولين في سبيل الله قد تقطعت أوصالها وأكلتها السباع والطير وحيوان الماء فصح أن الأنفس منقولة من مكان إلى مكان ولا شك في أن العرض لا يلقى العذاب ولا يحس فليست عرضا وصح أنها تنتقل في الأماكن قائمة بنفسها وهذه صفة الجسم لا صفة الجوهر عند القائل به فصح ضرورة أنها جسم وأما من السنن فقول رسول الله A أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة وقوله A أنه رأى نسم بني آدم عند سماء الدنيا عن يمين آدم ويساره فصح أن الأنفس مريئة في أماكنها وقوله عليه السلام أن نفس المؤمن إذا قبضت عرج بها إلى السماء وفعل بها كذا ونفس الكافر إذا قبضت فعل بها كذا فصح إنها معذبة ومنعمة ومنقولة في الأماكن وهذه صفة الأجسام ضرورة وأما من الإجماع فلا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن أنفس العباد منقولة بعد خروجها عن الأجساد إلى نعيم أو إلى صفوف ضيق وعذاب وهذه صفة الأجسام ومن خالف هذا فزعم أن الأنفس تعدم أو أنها تنتقل إلى أجسام أخر فهو كافر مشرك حلال الدم والمال بخرقه الإجماع ومخالفته القرآن والسنن ونعوذ بالله من الخذلان .
قال أبو محمد وقد ذكرنا في باب عذاب القبر أن الروح والنفس شيء واحد ومعنى قول الله تعالى ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي إنما هو لأن الجسد مخلوق من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم عظما ثم لحما ثم أمشاجا وليس الروح كذلك وإنما قال الله تعالى أمرا له بالكون كن فكان فصح أن النفس والروح والنسمة أسماء مترادفة لمعنى واحد وقد يقع الروح أيضا على غير هذا فجبريل عليه السلام الروح الأمين والقرآن روح من عند الله وبالله تعالى التوفيق فقد بطل قولهم في النفس وصح أنها جسم ولم يبق إلا الكلام في الجزء الذي ادعوا أنه لا يتجزأ .
قال أبو محمد ذهب جمهور المتكلمين إلى أن الأجسام تنحل إلى أجزاء صغار لا يمكن البتة أن يكون لها جزء وأن تلك الأجزاء جواهر لا أجسام لها وذهب النظام وكل من يحسن القول من الأوائل إلى أنه لا جزء وأن دق إلا وهو يحتمل التجزيء أبدا بلا نهاية وأنه ليس في العالم جزء ولا يتجزأ وأن كل جزء انقسم الجسم إليه فهو جسم أيضا وإن دق أبدا .
قال أبو محمد وعمدة القائلين بوجود الجزء الذي لا يتجزأ خمس مشاغب وكلها راجعة بحول الله وقوته عليهم ونحن إن شاء الله تعالى نذكرها كلها وتقضى لهم كل ما هو به ونرى بعون الله D بطلان جميعها بالبراهين الضرورية ثم نرى بالبراهين الصحاح صحة القول بأن كل جزء فهو يتجزأ أبدا وأنه ليس في العالم جزء لا يتجزأ أصلا كما فعلنا بسائر الأقوال والحمد لله رب العالمين .
قال أبو محمد فأول مشاغبهم أن قالوا أخبرونا إذا قطع الماشي المسافة التي مشى فيها فهل قطع ذا نهاية أو غير ذي نهاية فإن قلتم قطع غير ذي نهاية فهذا محال وإن قلتم قطع ذا نهاية فهذا قولنا .
قال أبو محمد فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن القوم أتوا من أحد وجهين أما أنهم لم يفهموا قولنا فتكلموا بجهل وهذا لا يرضاه ذو ورع ولا ذو عقل ولا حياء وأما انهم لما عجزوا عن معارضة الحق رجعوا إلى الكذب والمباهتة وهذه شر من الأولى وفي أحد هذين القسمين وجدنا كل من ناظرناه منهم في هذه