فوجب ضرورة أنه ليس خارج الفلك الذي هو نهاية العالم شيء لا خلاء ولا ملاء وإن كانت في الفلك فهي ضرورة إما ذات مكان وإما محمولة في ذي مكان لأنه ليس في العالم شيء غير هذين أصلا ومن ادعى أن في العالم شيئا ثالثا فقد ادعى المحال والباطل وما لا دليل له عليه وهذا لا يعجز عنه أحد وما كان هكذا فهو باطل يقين وقد قام الدليل على أن النفس ليست عرضا لأنها عالمة حساسة والعرض ليس عالما ولا حساسا وصح انها حاملة لصفاتها لا محمولة فإذ حاملة متمكنة فهي هي جسم لا شك فيه إذ ليس إلا جسم حامل أو عرض محمول وقد بطل أن تكون عرضا محمولا فهي جسم حامل وبالله تعالى التوفيق وأيضا فلا تخلو النفس من أن تكون واقعة تحت جنس أولا فإن كانت لا واقعة تحت جنس فهي خارجة عن المقولات وليس في العالم شيء خارج عنها ولا في الوجود شيء خارج عنها إلا خالقها وحده لا شريك له وهم لا يقولون بهذا بل يوقعونها تحت جنس الجوهر فإذ هي واقعة تحت جنس الجوهر فأنا نسألهم عن الجوهر الجامع للنفس وغيرها له طبيعة أم لا فإن قالوا لا وجب أن كل ما تحت الجوهر لا طبيعة له وهذا باطل وهم لا يقولون بهذا فإن قالوا لا ندري ما الطبيعة قلنا لهم أله صفة محمولة فيه لا يوجد دونها أم لا فلا بد من نعم وهذا هو معنى الطبيعة وإن قالوا بل له طبيعة وجب ضرورة أن يعطي كل ما تحته طبيعة لأن الأعلى يعطى لكل ما تحته اسمه وحدوده عطاء صحيحا والنفس تحت الجوهر فالنفس ذات طبيعة بلا شك وإذ صح أن لها طبيعة فكل ما له طبيعة فقد حصرته الطبيعة وما حصرته الطبيعة فهو ذو نهاية محدود وكل ذي نهاية فهو إما حامل وإما محمول والنفس بلا شك حاملة لأعراضها من الأضداد كالعلم والجهل والذكاء والبلادة والنجدة والجبن والعدل والجور والقسوة والرحمة وغير ذلك وكل حامل فذو مكان وكل ذي مكان فهو جسم فالنفس جسم ضرورة وأيضا فكل ما كان واقعا تحت جنس فهو نوع من أنواع ذلك الجنس وكل نوع فهو مركب من جنسه إلا على العام له من أنواعه ومركب أيضا مع ذلك من فصله الخاص به المميز له من سائر الأنواع الواقعة معه تحت جنس واحد فإنه موضوع وهو جنسه القابل لصورته وصورة غيره وله محمول وهو صورته التي خصته دون غيره فهو ذو موضوع ومحمول فهو مركب والنفس نوع للجوهر فهي مركبة من موضوع ومحمول وهي قائمة بنفسها فهي جسم ولا بد .
قال أبو محمد وهذه براهين ضرورية حسية عقلية لا محيد عنها وبالله تعالى التوفيق وهذا قول جماعة من الأوائل ولم يقل ارسطاطاليس أن النفس ليست جسما على ما ظنه أهل الجهل وإنما نفى أن تكون جسما كدرا وهو الذي لا يليق بكل ذي علم سواه ثم لو صح أنه قالها لكانت وهلة ودعوى لا برهان عليها وخطأ لا يجب اتباعه عليه وهو يقول في مواضع من كتبه اختلف أفلاطون والحق وكلاهما إلينا حبيب غير أن الحق إلينا وإذا جاز أن يختلف أفلاطون والحق فغير نكير ولا بديع أن يختلف أرسطاطاليس والحق وما عصم إنسان من الخطأ فكيف وما صح قط أنه قاله .
قال أبو محمد إنما قال أن النفس جوهر لا جسم من ذهب إلى أنها هي الخالقة لما دون الله تعالى على ما ذهب إليه بعض الصابئين ومن كنى بها عن الله تعالى .
قال أبو محمد وكلا القولين سخف وباطل لأن النفس والعقل لفظتان من لغة العرب موضوعتان فيها لمعنيين مختلفين فأحالتهما عن موضوعهما في اللغة سفسطة وجهل وقلة حياء وتلبيس وتدليس .
قال أبو محمد وأما من ذهب إلى أن النفس ليست جسما ممن ينتمي إلى الإسلام بزعمه فقول يبطل بالقرآن والسنة وإجماع الأمة فأما القرآن فإن الله D قال هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وقال تعالى فاليوم تجزى كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم وقال تعالى كل امرئ بما كسب رهين فصح