مما يوجد الله D يعلمه ومن البرهان على أن النفس لا تتغذى ولا تنمو أن البرهان قد قام على أنها كانت قبل تركيب الجسد على آباد الدهور وأنها باقية بعد انحلاله وليس هنالك في ذينك العالمين غذاء يولد نماء أصلا وأما ما ظنوه من نسأتها من صغر إلى كبر فخطأ وإنما هو عودة من النفس إلى ذكرها الذي سقط عنها بأول ارتباطها بالجسد فإن سأل سائل أتموت النفس قلنا نعم لأن الله تعالى نص على ذلك فقال كل نفس ذائقة الموت وهذا الموت إنما هو فراقها للجسد فقط برهان ذلك قول الله تعالى أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون وقوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فصح أن الحياة المذكورة إنما هي ضم الجسد إلى النفس وهو نفخ الروح فيه وأن الموت المذكور إنما هو التفريق بين الجسد والنفس فقط وليس موت النفس مما يظنه أهل الجهل وأهل الإلحاد من إنها تعدم جملة بل هي موجودة قائمة كما كانت قبل الموت وقبل الحياة الأولى ولا أنها يذهب حسها وعلمها بل حسها بعد الموت أصح ما كان علمها أتم ما كان وحياتها التي هي الحس والحركة الإرادية باقية بحسبها أكمل ما كانت قط قال D وأن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون وهي راجعة إلى البرزخ حيث رآها رسول الله A ليلة أسري به عن الميمنة من آدم عليه السلام ومشئمته إلى أن تحيا ثانية بالجمع بينها وبين جسدها يوم القيامة وأما أنفس الجن وسائر الحيوان فحيث شاء الله تعالى ولا علم لنا إلا ما علمنا ولا يحل لأحد أن يقول بغير علم وبالله تعالى التوفيق .
قال أبو محمد فلنذكر الآن البراهين الضرورية على أن النفس جسم من الأجسام فمن الدليل على أن النفس جسم من الأجسام انقسامها على الأشخاص فنفس زيد غير نفس عمرو فلو كانت النفس واحدة لا تنقسم على ما يزعم الجاهلون أنها جوهر لا جسم لوجب ضرورة أن تكون نفس المحب هي نفس المبغض وهي نفس المحبوب وأن تكون نفس الفاسق الجاهل هي نفس الفاضل الحكيم العالم ولكانت نفس الخائف هي نفس المخوف منه ونفس القاتل هي نفس المقتول وهذا حمق لا خفاء به فصح أنها نفوس كثيرة متغايرة الأماكن مختلفة الصفات حاملة لأعراضها فصح أنها جسم بيقين لا شك فيه وبرهان آخر هو أن العلم لا خلاف في أنه من صفات النفس وخواصها لا مدخل للجسد فيه أصلا ولاحظ فلو كانت النفس جوهرا واحد لا تتجزي نفوسا لوجب ضرورة أن يكون علم كل أحد مستويا لا تفاضل فيه لأن النفس على قولهم واحدة وهي العالمة فكان يجب أن يكون كلما علمه زيد يعلمه عمرو لأن نفسها واحدة عندهم غير منقسمة ولا متجزئة فكان يلزم ولا بد أن يعلم جميع أهل الأرض ما يعلمه كل عالم في الدنيا لأن نفسهم واحدة لا تنقسم وهي العالمة وهذا مالا انفكاك منه البتة فقد صح بما ذكرنا ضرورة أن نفس كل أحد غير نفس غيره وأن أنفس الناس أشخاص متغايرة تحت نوع نفس الإنسان وأن نفس الإنسان الكلية نوع تحت جنس النفس الكلية التي يقع تحتها أنفس جميع الحيوان وإذ هي أشخاص متغايرة ذات أمكنة متغايرة حاملة لصفات متغايرة فهي أجسام ولا يمكن غير ذلك البتة وبالله تعالى التوفيق وأيضا فإن العالم كله محدود معروف أجسام وأعراض ولا مزيد فمن ادعى أن ههنا جوهرا ليس جسما ولا عرضا فقد ادعى ما لا دليل عليه البتة ولا يتشكل في العقل ولا يمكن توهمه وما كان هكذا فهو باطل مقطوع على بطلانه وبالله تعالى التوفيق وأيضا فإن النفس لا تخلو من أن تكون خارج الفلك أو داخل الفلك فإن كانت خارج الفلك فهذا باطل إذا قام البرهان على تناهي جرم العالم فليس وراء النهاية شيء ولو كان وراءها شيء لم تكن نهاية