قال أبو محمد الأجسام كلها حاش النفس موات لا علم لها ولا حس ولا تعلم شيئا وإنما العلم والحس للنفس فقط فهي تعلم الأجسام والأعراض وخالق الأجسام والأعراض الذي هو خالقها أيضا بما فيها من صفة الفهم وطبيعة التمييز وقوة العلم التي وضعها فيها خالقها D وسؤالهم نادر وقالوا أيضا أن كل جسم بدا في نشوة وغاية ينتهي إليها وأجود ما يكون الجسم إذا انتهى إلى غايته فإذا أخذ في النقص ضعف وليست الأنفس كذلك لأننا نرى أنفس المعمرين أكثر ضياء وأنفذ فعلا ونجد أبدا أنهم أضعف من أبدان الأحداث فلو كانت النفس جسما لنقص فعلها بنقصان البدن فإذا كان هذا كما ذكرنا فليست النفس جسما .
قال أبو محمد هذه مقدمة فاسدة الترتيب أما قولهم أن الجسم أجود ما يكون إذا انتهى إلى غايته فخطأ إذا قيل على العموم وإنما ذلك في النوامي فقط وفي الأشياء التي تستحيل استحالة ذبولية فقط كالشجر وأصناف أجساد الحيوان وللنبات وأما الجبال والحجارة والأرض والبحار والهواء والماء والأفلاك والكواكب فليس لها غاية إذ بلغتها أخذت في الانحطاط وإنما يستحيل بعض ما يستحيل من ذلك على سبيل التفتت كحجر كسرته فانكسر ولو ترك لبقي ولم يذبل ذبول الشجر والنبات وأجسام الحيوان وكذلك النفس لا تستحيل استحالة ذبول ولا استحالة تفتت وإنما تستحيل أعراضها كما ذكرنا فقط ولا نماء له وكذلك الملائكة والفلك والكواكب والعناصر الأربعة لا نماء لها وكل باق على هيئته التي خلقه الله تعالى عليها إذ خلق كل ذلك والنفس كذلك منتقلة من عالم الابتداء إلى عالم الانتهاء إلى عالم البرزخ إلى عالم الحساب إلى عالم الجزاء فتخلد فيه أبدا بلا نهاية وهي إذا تخلصت من رطوبات الجسد وكدره كانت أصفى نظرا وأصح علما كما كانت قبل حلولها في الجسد نسأل الله خير ذلك المنقلب بمنه آمين .
قال أبو محمد هذا ما هو به من كل نطيحة ومتردية قد تقصيناه لهم وبينا أن كله فساد وحماقات وتقصيناه بالبراهين الضرورية والحمد لله رب العالمين .
قال أبو محمد فإذا بطل كل ما شغب به من يقول أن النفس ليست جسما وسقط هذا القول لتعريه عن الأدلة جملة فنحن إن شاء الله تعالى نوضح بعون الله D وقوته البراهين الضرورية على أنها جسم وبالله تعالى نتأيد وذلك بعد أن نبين بتأييد الله D شغبين يمكن أن يعترض بهما أن قال قائل أتنمو النفس فإن قلتم لا قلنا نحن نجدها تنشأ من صغر إلى كبر وترتبط بالجسد بالغذاء وإذا انقطع الغذاء انحلت عن الجسد ونجدها نسوء أخلاقها ويقل صبرها بعدم الغذاء فإذا تغذت اعتدلت أخلاقها وصلحت .
قال أبو محمد لا تتغذى ولا تنمو أما عدم غذائها فالبرهان القائم أنها ليست مركبة من الطبائع الأربع وأنها بخلاف الجسد هذا هو البرهان على أنها لا تتغذى وهو أن ما تركب من العناصر الأربعة فلا بد له من الغذاء ليستخلف ذلك الجسد أو تلك الشجرة أو ذلك النبات من رطوبات ذلك الغذاء أو أرضياته مثل ما تحلل من رطوباته بالهواء والحر وليست هذه صفة النفس إذ لو كانت لها هذه الصفة لكانت من الجسد أو مثله ولو كانت من الجسد أو مثله لكانت مواتا كالجسد غير حساسة فإذا قد بطل أن تكون مركبة من طبائع العناصر بطل أن تكون متغذية نامية وأما ارتباطها بالجسد من أجل الغذاء فهو أمر لا يعرف كيفيته إلا خالقها D الذي هو مدبرها إلا أنه معلوم أنه كذلك فقط وهو كطحن المعدة للغذاء لا يدري كيف هو وغير ذلك