قال أبو محمد عن عدم الحياء والعقل لم يبال بما نطق به لسانه وهذه قضية في غاية الحمق لأنها توجب أن الشرف إنما هو بعظم الأجسام وكثرة المساحة ولو كان كذلك لكانت القضية والبلبلة وكان الحمار والبغل وكدس العذرة أشرف من الإنسان المنبأ والفيلسوف لأن كل ذلك أعظم مساحة منه ولكانت الغرلة أشرف من ناظر العين والإلية أشرف من القلب والكبد والدماغ والصخرة أشرف من اللؤلؤة وأف لكل علم أدى إلى مثل هذا نعم فإن كثيرا من الأجسام أعظم مساحة من النفس وليس ذلك موجبا أنها أشرف منها مع أن النفس الرذلة المضربة عما أوجبه التمييز وعن طاعة ربها إلى الكفر به فكل شيء في العالم أشرف منها ونعوذ بالله من الخذلان وقالوا كانت أن النفس جسما آخر مع الجسم فالجسم نفسه وشيء آخر وإذا كان كذلك فالجسم أتم وإذا كان أتم فهو أشرف .
قال أبو محمد وهذا جنون مردد لأنه ليس بكثرة العدد يجب الفضل والشرف ولا بعموم اللفظ يجب الشرف بل قد يكون الأقل والأخص أشرف ولو كان ما قالوه لوجب أن تكون الأخلاق جملة شرف من الفضائل خاصة لأن الأخلاق فضائل وشيء آخر فهي أتم فهي على حملهم السخيف أشرف وهذا ما لا يقوله ذو عقل وهم يقرون أن النفس جوهر والجوهر نفس وجسم فالجوهر أشرف من النفس لأنه نفس وشيء آخر وقد قالوا أن الحي بقع تحت النامي فيلزمهم ان النامي أشرف من الحي لأنه حي وشيء آخر وهذا تخليط وحماقة ونعوذ بالله من الوسواس وقالوا أيضا كل جسم يتغذى والنفس لا تتغذى فهي غير جسم .
قال أبو محمد إن كان هؤلاء السخفاء إذا اشتغلوا بهذه الحماقات كانوا سكارى بل سكر الجهل والسخف أعظم من سكر الخمر لأن سكر الخمر سريع الإفاقة وسكر الجهل والسخف بطيء الإفاقة أتراهم إذ قالوا كل جسم فهو متغذ ألم يروا الماء والأرض والهواء والكواكب والفلك وأن كل هذه أجسام عظام لا تتغذى وإنما يتغذى من الأجسام النوامي فقط وهي أجساد الحيوان السكان في الماء والأرض والشجر والنبات فقط فإذا كان هؤلاء النوكي وإلا يتغذى ليس جسما فالأرض والحجارة والكواكب والفلك والملائكة ليس كل ذلك جسما وكفى بهذا جنونا وخطأ وبحمد الله على السلامة قالوا لو كانت النفس جسما لكانت لها حركة لأن لكل جسم حركة ونحن لا نرى للنفس حركة فبطل أن تكون جسما .
قال أبو محمد هذه دعوى كاذبة وقد تناقضوا أيضا فيها لأنهم قد قالوا قبل هذا بنحو ورقة في بعض حججهم أن الأجسام غير متحركة والنفس متحركة وهنا قلبوا الأمر فظهر جهلهم وضعف عقولهم وأما قولهم لا نرى لها حركة فمخرقة وليس كل ما لا يرى يجب أن ينكر إذا قام على صحته دليل ويلزمهم إذ أبطلوا حركة النفس لأنهم لا يرونها أن يبطلوا النفس لأنهم جملة أيضا لا يرونها ولا يسمعونها ولا يلمسونها ولا يذوقونها وحركة النفس معلومة بالبرهان وهو أن الحركة قسمان حركة اضطرار وحرك اختيار فحركة الاضطرار هي حركة كل جسم غير النفس هذا ما لا يشك فيه فبقيت حركة الاختيار وهي موجودة يقينا وليس في العالم شيء متحرك بها حاشا النفس فقط فصح أن النفس هي المتحركة بها فصح ضرورة أن للنفس حركة اختيارية معلومة بلا شك وإذ لا شك في أن كل متحرك فهو جسم وقد صح أن النفس متحركة فالنفس جسم فهذا هو البرهان الضروري التام الصحيح لا تلك الوساوس والإهذار ونحمد الله على نعمه D وقالوا لو كانت النفس جسما لوجب أن يكون اتصالها بالجسم أما على سبيل المجاورة وأما على سبيل المداخلة وهي الممازجة .
قال أبو محمد فبعد هذا ماذا ونعم فإن النفس متصلة بالجسم على سبيل المجاورة ولا يجوز سوى ذلك إذ لا يمكن أن يكون اتصال الجسمين إلا بالمجاورة وإما اتصال المداخلة فإنما هي العرض والعرض والجسم والعرض على ما بينا قبل وقالوا أيضا أن كانت النفس جسما فكيف يعرف الجسم بمماسة أم غير مماسة