قال أبو محمد أما قولهم أن خاصة الجسم احتمال التجزيء فهو صدق والنفس محتملة للتجزيء لأنها جسم من الأجسام وأما قولهم أن الجزء الصغير ليس كالكبير فإن كانوا يريدون المساحة فنعم وأما في غير ذلك فلا وأما قولهم أنها إن تجزأت فإما أن يكون كل جزء منها نفسا وإلزامهم من ذلك أنها مركبة من أنفس فإن القول الصحيح في هذا أن النفس محتملة للتجزيء بالقوة وإن كان التجزيء بانقسامها غير موجود بالفعل وهكذا القول في الفلك والكواكب كل ذلك محتمل للتجزيء بالقوة وليس التجزيء موجودا في شيء منها بالفعل وأما قولهم أنها مركبة من أنفس فشغب فاسد لأننا قد قدمنا في غير موضع أن المعاني المختلفة والمسميات المتغايرة يجب أن يوقع على كل واحد منها اسم يبين به عن غيره وإلا فقد وقع الإشكال وبطل التفاهم وصرنا إلى قول السوفسطائية المبطلة لجميع الحقائق ووجدنا العالم ينقسم قسمين أحدهما مؤلف من طبائع مختلفة فاصطلحنا على أن سمينا هذا القسم مركبا والثاني مؤلفا من طبيعة واحدة فاصطلحنا على أن سمينا هذا القسم بسيطا ليقع التفاهم في الفرق بين هذين القسمين ووجدنا القسم الأول لا يقع على كل جزء من أجزائه اسم كله كالإنسان الجزئي فإنه متألف من أعضاء لا يسمى شيء منها إنسانا كالعين والأنف واليد وسائر أعضائه التي لا يسمى عضو منها على انفراده إنسانا فإذا تألفت سمي المتألف منها إنسانا ووجدنا القسم الثاني يقع على كل جزء من أجزائه اسم كله كالأرض والماء والهواء والنار وكالفلك فكل جزء من النار نار وكل جزء من الماء ماء وكل جزء من الهواء هواء وكل جزء من الفلك فهو فلك وكل جزء من النفس نفس وليس ذلك موجبا أن تكون الأرض مؤلفة من أرضين ولا أن يكون الهواء مؤلفا من أهوية ولا أن يكون الفلك مؤلفا من أفلاك ولا أن تكون النفس مؤلفة من أنفس وحتى لو قيل ذلك بمعنى أن كل بعض منها يسمى نفسا وكل بعض من الفلك يسمى فلكا فما كان يكون في ذلك ما يعترض به على أنها جسم كسائر الأجسام التي ذكرنا وبالله تعالى التوفيق وقالوا أيضا طبع ذات الجسم أن يكون غير متحرك والنفس متحركة فإن كانت هذه الحركة التي فيها من قبل الباري تعالى فقد وجدنا لها الحركات فاسدة فكيف يضاف ذلك إلى الباري تعالى .
قال أبو محمد وهذا الكلام غاية الفساد والهجنة ولقد كان ينبغي لمن ينتسب إلى العلم أن كان يدري مقدار سقوط هذه الاعتراضات وسخفها أن يصون نفسه عن الاعتراض بها لرذالتها فكان الأولى به أن يتعلم قبل أن يتكلم فإما قوله أن طبع ذات الجسم أن تكون غير متحركة فقول ظاهر الكذب والمجاهرة لأن للأفلاك والكواكب أجساما وطبعها الحركة الدائمة المتصلة أبدا إلى أن يحيلها خالقها عن ذلك يوم القيامة وأن للعناصر دون الفلك أجساما وطبعها الحركة إلى مقرها والسكون في مقرها وأما النفس فلأنها حية كان طبعها السكون الاختياري والحركة الاختيارية حينا وحينا هذا كله لا يجهله أحد به ذوق وأما قولهم أن لها حركات ردية فكيف تضاف إلى الباري تعالى فإنما كان بعض حركات النفس رديا بمخالفة النفس أمر باريها في تلك الحركات وإنما أضيفت إلى الباري تعالى لأنه خلقها فقط على قولنا أو لأنه تعالى خلق تلك القوى التي بها كانت تلك الحركات فسقط إلزامهم الفاسد والحمد لله رب العالمين وقالوا أيضا أن الأجسام في طبعها الاستحالة والتغير واحتمال الانقسام أبدا بلا غاية ليس شيء منها إلا هكذا أبدا فهي محتاجة إلى من يربطها ويشدها ويحفظها ويكون به تماسكها قالوا والفاعل لذلك النفس فلو كانت النفس جسما لكانت محتاجة إلى من يربطها ويحلها فيلزم من ذلك أن تحتاج إلى نفس أخرى والأخرى إلى أخرى والأخرى كذلك إلى ما لا نهاية له وما لا نهاية له باطل .
قال أبو محمد هذا أفسد من كل قول سبق من تشغيباتهم لأن مقدمته مغشوشة فاسدة كاذبة أما قولهم