جملة والحمد لله رب العالمين وقالوا أن كل جسم فإنه لا يخلو من أن يقع تحت جميع الحواس أو تحت بعضها والنفس لا تقع تحت كل الحواس ولا تحت بعضها فالنفس ليست جسما .
قال أبو محمد وهذه مقدمة فاسدة كما ذكرنا آنفا لأن ما عدم اللون من الأجسام لم يدرك بالبر كالهواء وكالنار في عنصرها وأن ما عدم الرائحة لم يدرك بالشم كالهواء والنار والحصى والزجاج وغير ذلك وما عدم الطعم لم يدرك بالذوق كالهواء والنار والحصى والزجاج وما عدم المجسة لم يدرك باللمس كالهواء الساكن والنفس عادمة اللون والطعم والمجسة والرائحة فلا تدرك بشيء من الحواس بل هي المدركة لكل هذه المدركات وهي الحساسة لكل هذه المحسوسات فهي حساسة لا محسوسة وإنما تعرف بآثارها وبراهين عقلية وسائر الأجسام والأعراض محسوسة لا حساسة ولا بد من حساس لهذه المحسوسات ولا حساس لها غير النفس وهي التي تعلم نفسها وغيرها وهي القابلة لأعراضها التي تتعاقب عيها من الفضائل والرذائل المعلومة بالعقل كقبول سائر الأجرام لما يتعاقب عليها من الأعراض بالعقل والنفس هي المتحركة باختيارها المحركة لسائر الأجسام هي مؤثرة فيها تألم وتلتذ وتفرح وتحزن وتغضب وترضى وتعلم وتجهل وتحب وتكره وتذكر وتنسى وتنتقل وتحل فبطل قول هؤلاء أن كل جسم فلا بد من أن يقع تحت الحواس أو تحت بعضها لأنها دعوى لا دليل عليها وكل دعوى عربت من دليل فهي باطلة وقالوا كل جسم فإنه لا محالة يلزمه الطول والعرض والعمق والسطح والشكل والكم والكيف فإن كانت النفس جسما فلا بد أن تكون هذه الكيفيات فيها أو يكون بعضها فيها فأي الوجهين كان فهي إذا محاط بها هي مدركة بالحواس أو من بعضها ولا نرى الحواس تدركها فليست جسما .
قال أبو محمد هذا كله صحيح وقضايا صادقة حاشا قضية واحدة ليست فيها وهي قولهم وهي مدركة من الحواس أو من بعضها فهذا هو الباطل المقحم بلا دليل وسائر ذلك صحيح وهذه القضية الفاسدة دعوى كاذبة وقد تقدم أيضا إفسادنا لها آنفا مع تعريها عن دليل يصححها ونعم فالنفس جسم طويل عريض عميق ذات سطح وخط وشكل ومساحة وكيفية يحاط بها ذات مكان وزمان لان هذه خواص الجسم ولا بد والعجب من قلة حياء من أقحم مع هذا فهي اذا مدركة بالحواس وهذا عين الباطل لأن حاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الذوق وحاسة الشم وحاسة اللمس لا يقع شيء منها لا على الطول ولا على العرض ولا على العمق ولا على السطح ولا على الشكل ولا على المساحة ولا على الكيفية ولا على الخط وإنما تقع حاسة البصر على اللون فقط فإن كان في شيء مما ذكرنا لون وقعت عليه حاسبة البصر وعلمت ذلك الملون بتوسط اللون وإلا فلا وإنما تقع حاسة السمع على الصوت فإن حدث في شيء مما ذكرنا صوت وقعت عليه حاسة السمع حينئذ وعلمت ذلك المصوت بتوسطه وإلا فلا وإنما تقع حاسة الشم على الرائحة فإن كان في شيء مما ذكرنا رائحة وقعت عليها حينئذ حاسة الشم وعلمت حامل الرائحة بتوسط الرائحة وإلا فلا وإن كان لشيء مما ذكرنا طعم وقعت عيه حينئذ حاسة الذوق وعلمت المذوق بتوسط الطعم وإلا فلا وإن كان في شيء مما ذكرنا مجسة وقعت عليها حاسة اللمس حينئذ وعلمت الملموس بتوسط المجسة وإلا فلا وقالوا أن من خاصة الجسم أن يقبل التجزيء وإذا جزئ خرج منه الجزء الصغير والكبير ولم يكن الجزء الصغير كالجزء الكبير فلا يحلو حينئذ من أحد أمرين إما أن يكون كل جزء منها نفسا فيلزم من ذلك أن لا تكون النفس نفسا واحدة بل تكون حينئذ أنفسا كثيرة مركبة من أنفس وإما أن يكون كل جزء منها نفسا فيلزم أن لا تكون كلها نفسا