في النيران عقلا كانت أو غير عقل قولكم في العقل لو كان كون الإنسان حشرة أو دودة أو كلبا كان أحظى له وأسلم وأفضل عاجلا وآجلا وأحب إلى كل ذي عقل صحيح وتمييز غير مدخول وإذا كان عند هؤلاء القوم العقل الموهوب وبالأعلى صاحبه وسببا إلى تكليفه أمورا لم يأت بها فاستحق النار فلا شك عند كل ذي حس سليم في أن عدمه خير من وجوده فإن قالوا أن التكليف لم يوجب عليه دخول النار قلنا نعم ولكنه كان سببا إلى ذلك ولولا التكليف لم يدخل النار أصلا وقد شهد الله D بصحة هذا القول شهادة ولا تخفى على مسلم وهي قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان أنه كان ظلوما جهولا فحمد الله تعالى أباءة الجماعات من قبول التمييز الذي به وقع التكليف وتحمل أمانة الشرائع وذم D اختيار الانسان لتحملها وسمى ذلك منه ظلما وجهلا وجورا وهذا معروف في بنية العقل والتميز أن السلامة المضمونة لا يعدل بها التغرير المؤدي إلى الهلاك إو إلى النعيم وقال بعضهم خلق الله D من يكفر ومن يعلم أنه يخلد في النار ليعظ بذلك الملائكة وحو رالعين .
قال أبو محمد وهذا خبط لا عهد لنا بمثله وهذا غاية السخف والعبث والظلم فأما العبث فإن في العقول منا أن من عذب واحدا ليعظ به آخر فغاية العبث والسخف وأما الجور فأي جور أعظم فيما بيننا من أن يخلق قوما قد علم أنه يعذبهم ليعظ بهم آخرين من خلقه مخلدين في النعيم فهلا عذب الملائكة وحور العين ليعظ بهم الجن والإنس وهل هذا على أصولهم إلا غاية المحاباة والظلم والعبث تعالى الله عن ذلك يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه وسألهم أصحابنا عن إيلام الله D الصغار والحيوان وإباحته تعالى ذبحها فوجموا عند هذه وقال بعضهم لأن الله تعالى يعوضهم على ذلك .
قال أبو محمد وهذا غاية العبث فيما بيننا ولا شيء أتم في العبث والظلم ممن يعذب صغيرا ليحسن بعد ذلك إليه فقالوا أن تعويضه بعد العذاب بالجدري والأمراض أتم وألذ من تنعيمه دون تعذيب .
قال أبو محمد وفي هذا عليهم جوابان أحدهما أن يقول لهم أكان الله تعالى قادرا على أن يوفى الأطفال والحيوان ذلك النعيم دون إيلام أو كان غير قادر على ذلك فإن قالوا كان غير قادر جمعوا مع الكفر الجنون لأن ضرورة العقل يعلم بها أنه إذا قدر على أن يعطيهم مقدارا ما من النعيم بعد الإيلام فلا شك في أنه قادر على ذلك المقدار نفسه دون إيلام يتقدمه ليس في العقل غير هذا أصلا إذ ليس ها هنا منزلة زائدة في القدرة ولا فعلان مختلفان وإنما هو عطاء واحد في كلا الوجهين وان قالوا أنه قادر على ذلك فقد وجب العبث على أصولهم إذ كان قادرا على أن يعطيهم دون إيلام ما لم يعطهم إلا بعد غاية الإيلام والجواب الثاني أن نريهم صبيانا وحيوانا أماتهم في خير دون إيلام وهذه محاباة وظلم للمؤلم منهم فقالوا أن المؤلم لم يزدد في نعيمه لأجل إيلامه فقلنا لهم فهذه محاباة بزيادة النعيم للمؤلم فهلا آلم الجميع ليسوى بينهم في النعيم أو هلا يسوي بينهم في النعيم بأن لا يؤلم منهم أحدا وهذا ما لا انفكاك منه البتة وقال بعضهم فعل ذلك ليعظ بهم غيرهم .
قال أبو محمد وهذا غاية الجور بيننا ولا عبث أعظم من أن يعذب إنسانا لا ذنب له ليوعظ بذلك آخرون مذنبون وغير مذنبين والله تعالى قد أنكر هذا بقوله تعالى