فليقنعوا بهذافمن أجابهم بهذا بعينه في الفرق بين حسن تكليف الله تعالى ما لا يطاق وتعذيبه عليه منه وقبح ذلك منا وأنه إنما قبح منا لجهلنا بالمصالح .
قال أبو محمد وأما نحن فكلا الجوابين عندنا فاسد ولا مصلحة فيما أدى إلى النار والخلود فيها بلا نهاية ولكنا نقول قبح منا ما نهانا الله عنه وحسن منا ماأمرنا به وكل ما فعله ربنا تعالى الذي لا آمر فوقه فهو عدل وحسن وبالله تعالى التوفيق وسألهم أصحابنا فقالوا أن المعهود بيننا أن الحكيم لا يفعل إلا لاجتلاب منفعة أو دفع مضرة ومن فعل لغير ذلك فهو سفيه والباري تعالى يفعل لغير اجتلاب منفعة ولا لدفع مضرة وهو حكيم فقالت طائفة من المعتزلة أن الباري تعالى يفعل لاجتلاب المنافع إلى عباده ودفع المضار عنهم وقالت طائفة منهم لم يكن الحكيم فيما بيننا حكيما لأنه يفعل لاجتلاب المنافع ودفع المضار لأنه قد يفعل ذلك كل ملتذ وكل متشف وإن لم يكن حكيما وإنما سمى الحكيم حكيما لإحكامه عمله .
قال أبو محمد وكل هذا ليس بشيء لأن الحيوان ما يحكم عمله مثل الخطاف والعنكبوت والنحل ودود القز ولا يسمى بشيء من ذلك حكيما ولكن إنما سمي الحكيم حكيما على الحقيقة لالتزامه الفضائل واجتنابه الرزائل فهذا هو العقل والحكمة المسمى فاعله حكيما عاقلا وهكذا هو في الشريعة لأن جميع الفضائل إنما هي طاعات الله D والرذائل إنما هي معاصيه فلا حكيم إلامن أطاع لله D واجتنب معاصيه وعمل ما أمره ربه D وليس من أجل هذا يسمى الباري حكيما إنما سمي حكيما لأنه سمى نفسه حكيما فقط ولو لم يسم نفسه حكيما ما سميناه حكيما كما لم نسمه عاقلا إذ لم يسم بذلك ثم نقول لهم وأما قولكم إنما سمى الله حكيما لفعله الحكمة فأنتم مقرون أنه أعطى الكفار قوة الكفر ولا يسمى مع ذلك مقويا على الكفر وأما من قال منهم أنه تعالى يفعل لاجتلاب المنافع إلى عباده ودفع المضار عنهم فكلام فاسد إذا قيل على عمومه لأن كل مستضر يفعله في دنياه وأخراه لم يصرف الله تعالى عنه تلك المضرة وقد كان قادرا على صرفها عنه إلا أن يعجزوه عن ذلك فيكفروا وسألهم أصحابنا فقالوا إذا كان الله D لا يفعل إلا ما هو عدل بيننا فلم حلق من يدري أنه يكفر به وأنه سيخلده بين أطباق النيران أبدا فأجابوا عن هذا بأجوبة فمن أظرفها أن كثيرا منهم قالوا لو لم يخلق من يكفر به ويخلده في نار جهنم لما استحق العذاب أحد ولا دخل النار أحدا .
قال أبو محمد وتكفي من الدلالة على ضعف عقل هذا الجاهل هذا الجواب ونقول له ذلك ما كنا نبغي وهل الخير كله على ما بيننا ألا أن لا يعذب أحد بالنار وهل الحكمة المعهودة بيننا والعدل الذي لا عدل عندنا سواه إلا نجاه الناس كلهم من الأذى واجتماعهم في النعيم الدائم ولكن المعتزلة قوم لا يعقلون وأجاب بعضهم في هذا بأن قال لو كان هذا السلم الجميع من اللوم ولكان لا شيء أوضع ولا أخس من العقل لأن الذي لا عقل له سالم من العذاب واللوم والأمم كلها مجمعة على فضل العقل .
قال أبو محمد لو عرف هذا الجاهل معنى العقل لم يجب بهذاا لسخف لأن العقل على الحقيقة إنما هو استعمال الطاعات واجتناب المعاصي وما عدا هذا فليس عقلا بل هو سخيف وحمق قال الله D حكاية عن الكفار أنهم قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ثم صدقهم الله D في هذا فقال فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير فصدق الله من عصاه أنه لا يعقل ثم نقول لهم نعم لا منزلة أخس ولا أوضع ولا أسقط من منزلة وموهبة أدت إلى الخلود