جيرون في جدار البلاط الذي أمامه غرفة ولها هيئة طاق كبير مستدير فيه طيقان صفر وقد فتحت أبوابا صغارا على عدد ساعات النهار دبرت تدبيرا هندسيا فعند انقضاء ساعة من النهار تسقط صنجتان من صفر من فمي بازين مصورين من صفر قائمين على طاستين من صفر تحت كل واحد منهما أحدهما تحت أول باب من تلك الأبواب والثاني تحت آخرها والطاستان مثقوبتان فعند وقوع البندقتين فيهما تعودان داخل الجدار إلى الغرفة وتبصر البازيين يمدان أعناقهما بالبندقتين إلى الطاستين ويقذفانهما بسرعة بتدبير عجيب تتخيله الأوهام سحرا وعند وقوع البندقتين في الطاستين يسمع لها دوي وينغلق الباب الذي هو لتلك الساعة للحين بلوح من الصفر لا يزال كذلك عند انقضاء كل ساعة من النهار حتى تنغلق الأبواب كلها وتنقضي الساعات ثم تعود إلى حالها الأول ولها بالليل تدبير آخر وذلك أن في القوس المنعطف على تلك الطيقان المذكورة اثنتي عشرة دائرة من النحاس مخرمة وتعترض في كل دائرة زجاجة من داخل الجدار في الغرفة مدبر ذلك كله منها خلف الطيقان المذكورة وخلف الزجاجة مصباح يدور به الماء على ترتيب مقدار الساعة فإذا انقضت عم الزجاجة ضوء المصباح وفاض على الدائرة أمامها شعاعها فلاحت للأبصار دائرة محمرة ثم انتقل ذلك إلى الأخرى حتى تنقضي ساعات الليل وتحمر الدوائر كلها وقد وكل بها في الغرفة متفقد لحالها درب بشأنها وانتقالها يعيد فتح الأبواب وصرف الصنج إلى موضعها وهي التي تسميها الناس المنجانة انتهى المقصود منه .
قلت كل ما ذكر C تعالى في وصف دمشق الشام وأهلها فهو في نفس الأمر يسير ومن ذا يروم عد محاسنها التي إذا رجع البصر فيها انقلب وهو حسير وقد أطنب الناس فيها وما بقي أكثر مما ذكروه وقد دخلتها أواخر شعبان من سنة سبع وثلاثين وألف للهجرة وأقمت بها إلى أوائل شوال من السنة وارتحلت عنها إلى مصر وقد تركت القلب فيها رهنا وملك هواها