والوصايا والإقرارات فإنها ودائع الرعية عنده وواجب أن يحرسها جهده وأن يكلها إلى الخزان المأمونين والحفظة المتيقظين ويوعز إليهم بأن لا يخرجوا شيئا منها عن موضعه ولا يضيفوا إليها ما لم يكن بعلمه وأن يتخذ لها بيتا يحصرها به ويجعله بحيث يأمن عليه ليرجع متى احتاج الرجوع إليه فقد قال الله تعالى ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) .
وأمره إن ورد عليه أمر يعييه فصله ويشتبه عليه وجه الحكم فيه أن يرده إلى كتاب الله ويطلب به سبيل المخلص منه فإن وجده وإلا ففي الأثر عن رسول الله فإن أدركه وإلا استفتى فيه من يليه من ذوي الفقه والفهم والهداية والعلم فما زالت الأئمة والحكام من السلف الصالح وطراق السنن الواضح يستفتي واحد منهم واحدا ويسترشد بعض بعضا لزوما للاجتهاد وطلبا للصواب وتحرزا من الغلط وتوقيا من العثار قال الله تعالى ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) .
وأمره أن لا ينقض حكما حكم به من كان قبله ولا يفسخه وأن يعمل عليه ولا يعدل عنه ما كان داخلا في إجماع المسلمين وسائغا في أوضاع الدين فإن خرج عن الإجماع أوضح الحال فيه لمن بحضرته من الفقهاء والعلماء حتى يصيروا مثله في إنكاره ويجتمعوا معه على إيجاب رده ثم ينقضه حينئذ نقضا يشيع ويذيع ويعود به الأمر إلى واجبه ويستقر معه الحق في نصابه قال الله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) .
هذا عهد أمير المؤمنين إليك وحجته عليك قد شرح به صدرك وأوضح به سبلك وأقام أعلام الهداية لك ولم يألك تبصيرا وتذكيرا ولم يدخرك تعريفا