فقد من هذين الوجهين فليرجع إلى ما اختاره السلف المهتدون وأجمع عليه الفقهاء المجتهدون فإن لم يلف فيه قولا ولا إجماعا ولا وجد إليه طريقا مستطاعا أعمل رأيه واجتهاده وامتطى ركاب وسعه وجياده مستظهرا بمشورة الفقهاء في هذه الحال ومستخلصا من آرائهم ما يقع عليه الاتفاق الآمن الاعتلال ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) .
وأمره باستعمال الأناة عند الحكومات واستماع الدعاوى والبينات من غير سرعة تحدث خطلا ولا إفراط في التأني يورث مللا فإن الحق بين ذينك على شفا خطر وظهر غرر ولا سيما إذا كان أحد الخصمين منطيقا ينمق كلامه تنميقا فإنه يخلب ببلاغة نطقه مستمعه ويغطي وجه الباطل بألفاظه الموشعة فإذا اتفق لديه ما هذا سبيله شحذ له غرب فطنته وأرهف غرار فكره وبصيرته ومنح كلا من الإنصات ما يجتلي وجه النصف منيرا ويغدو لأشياع الجور مبيرا .
وإن ذو اللسن روعه وأوهمه أن الحق معه بما يلفقه من كلام يقصر خصمه عن جوابه ويحصر عن جداله واستيفاء خطابه مع عدم البينة المشهودة وتعذر الحجة الموجودة استعاد كلامه واستنطقه واستوضح مغزاه وتحققه من غير إظهار إعجاب بما يذكره ولا اغترار بما يطويه وينشره ولا إصغاء يبدو أثر الرغائب من فحواه ولا اختصاص له بما يمنع صاحبه شرواه لئلا يولد ذلك له اشتطاطا ويحدث له انطلاقا في الخصومة وانبساطا حتى إذا ابتسم الحق وانتصر الصدق وفلج أحدهما بحجته ولحن ببينته أقر الواجب في نصابه وأداله من جنود الظلم وأحزابه وأمضى الحكم فيه باعتزام صادق ورأي محصد الوثائق غير ملتفت إلى مراجعة الخصوم وتشاجرهم وشكواهم