وأعيان أهل العصر وعامته وجمهوره وكافته فرأوه صوابا ولم يعرهم فيه ظنه ولا مسترابا ولا وجد أحد منهم إلى باب غيره طريقا ولا إلى طريق غيره بابا فاستخار الله تعالى فيه فأقبل خاطره الشريف عليه وكرر الاستخارة فلم يجد عنه محيدا إلا إليه .
فلما رأى أن ذلك أمر قد انعقد عليه الإجماع قولا وفعلا وعدم فيه المحالف بل لم يكن أصلا حمد الله تعالى وأثنى عليه وسأله التوفيق ورغب إليه وجدد الاستخارة وعهد إليه بأمر الأمة وقلده ما هو متقلده من الخلافة المقدسة بعده على عادة من تقدمه من الخلفاء الماضين وقاعدة من سلف من الأئمة المهديين وفوض إليه ما هو من أحكامها ولوازمها وأصولها ومعالمها من عهد ووصاية وعزل وولاية وتفويض وتقليد وانتزاع وتخليد وتفريق وجمع وإعطاء ومنع ووصل وقطع وصلة وإدرار وتقليل وإكثار جزئيها وكليها وخفيها وجليها ودانيها وقاصيها وطائعها وعاصيها تفويضا شرعيا تاما مرضيا جامعا لأحكام الولاية جمعا يعم كل نطاق ويسري حكمه في جميع الآفاق ويدخل تحته سائر الأقاليم والأمصار على الإطلاق لا يغير حكمه ولا يمحى رسمه ولا يطيش سهمه ولا يأفل نجمه .
قبل المعهود إليه اعلى الله مقامه ذلك بمحضر من القضاة والحكام والعلماء الأعلام ولزم حكمه وانبرم وكتب في سجلات الأفلاك وارتسم وحملت رسائله مع برد السحاب فطافت به على سائر الأمم وهو إبقاء الله مع ما طبعت عليه طباعه السليمة وجبلت عليه سجاياه الشريفة وأخلاقه الكريمة قد تلقى عن أمير المؤمنين من شريف الآداب ما غذي به في مهده وتلقف منه من حسن الأدوات ما يرويه بالسند عن أبيه وجده مما انطبع في صفاء ذهنه الصقيل وانتقش في فهمه واختلط من حال طفوليته بدمه ولحمه