على أنه قد أرضع بلبانها وربي في حجرها وأنتسب إليها بالبنوة فضمته إلى صدرها وكيف لا تتشبث بحباله وتتعلق بأذياله وتطمع في قربه وتتغالى في حبه وتميل إلى أنسه وتراوده عن نفسه وهو كفؤها المستجمع لشرائطها المتصف بصفاتها ونسيبها السامي إلى أعاليها الراقي على شرفاتها إذ هو شبلها الناشيء في آجامها بل أسدها الحامي لحماها ومجيرها الوافي بذمامها وفارسها المقدم في حلبة سباقها ووارثها الحائز لجميع سهامها وحاكمها الطائع لأمرها ورشيدها المأمون على سرها وناصرها القائم بواجبها ومهديها الهادي إلى أفضل مذاهبها قد التحف من الخلافة بردائها وسكن من القلوب في سويدائها وتوسمت الآفاق تفويض الأمر إليه بعد أبيه فظهر الخلوق في أرجائها واتبع سيرة أبيه في المعروف واقتفى أثره في الكرم وتشبه به في المفاخر ومن يشابه أبه فما ظلم وتقبل الله دعاء أبيه فوهب له من لدنه وليا وأجاب نداءه فيه فمكن له في الأرض وآتاه الحكم صبيا فاستوجب أن يكون حينئذ للمسلمين ولي عهدهم واليا على أمورهم في حلهم وعقدهم متكفلا بالأمر في قربه وبعده معينا لأبيه في حياته خليفة له من بعده وأن يصرح له بالإستخلاف ويوضح ويتلو عليه بلسان التفويض ( اخلفني في قومي وأصلح ) واقتضت شفقة أمير المؤمنين ورأفته ورفقه بالأمة ورحمته أن ينصب لهم ولي عهد يكون بهذه الصفات متصفا ومن بحره الكريم مغترفا ومن ثمار معروفه المعروف مقتطفا ولمنهله العذب واردا وعلى بيته الشريف وسائر الأمة بالخير عائدا فلم يجد من هو مستكمل لجميعها مستوعب لأصولها وفروعها وهو بمطلوبها املى وعلى قلوب الرعية احلى وللغليل أشفى وبالعهد الجميل أوفى من ولده المشار إليه فاستشار في ذلك أهل الحل والعقد من قضاته وعلمائه وامرائه ووزرائه وخاصته وذويه وأقاربه وبنيه