الخصم وسلم فقال إن أعهد فقد عهد من هو خير مني أبو بكر وإن ترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله فأخذ الخلفاء في ذلك بسنتهما ومشوا فيه على طريقتهما فمن راغب عن العهد وراغب فيه وعاهد إلى بعيد وآخر إلى ابنه أو اخيه كل منهم بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده وتقوى عليه عزيمته ويترجح لديه اعتماده .
ولما كان أمير المؤمنين أحسن الله مآبه قد نور الله عين بصيرته وخصه بطهارة سره وصفاء سريرته وآتاه الله الملك والحكمة وأقامه لمصالح الرعية وصلاح أمر الأمة وعلمه مما يشاء فكان له من علم الفراسة أوفر قسم واصطفاه على أهل عصره وزاده بسطه في العلم والجسم فلا يعزم أمرا إلا كان رشادا ولا يعتمد فعلا إلا ظهر سدادا ولا يرتئي رأيا إلا ألفي صوابا ولا يشير بشيء إلا حمدت آثاره بداية ونهاية واستصحابا ومع ذلك فقد بلا الناس وخبرهم وعلم بالتجربة حالهم وخبرهم واطلع بحسن النظر على خفايا أمورهم وما به مصلحة خاصتهم وجمهورهم وترجح عنده جانب العهد على جانب الإهمال ورأى المبادرة إليه أولى من الإمهال ولم يزل يروي فكرته ويعمل رويته فيمن يصلح لهذا الأمر بعده وينهض بأعبائه الثقيلة وحده ويتبع فيه سبله ويسلك طرائقه ويقتفي في السيرة الحسنة أثره ويشيم في العدل بوارقه ويقبل علىالأمر بكليته ويقطع النظر عما سواه ويتفرغ له من كل شاغل فلا يخلطه بما عداه .
وقد علم أن الأحق بأن يكون لها حليفا من كان بها خليقا والأولى بأن يكون لها قرينا من كان بوصلها حقيقا والأجدر أن يكون لديها مكينا من اتخذ معها يدا وإلى مرضاتها طريقا والأليق بمنصبها الشريف من كان بمطلوبها مليا والأحرى بمكانها الرفيع من كان بمقصودها وفيا والأوفق لمقامها العالي من كان خيرا مقاما وأحسن نديا وكان ولده السيد الأجل أبو الفضل المشار إليه هو الذي وجهت الخلافة وجهها إلى قبلته وبالغت في طلبه وألحت في خطبته