لأقوى دليل تنقطع دون نقضه الأطماع وتنبو عن سماع ما يخالفه الأسماع إذ العباد مجبولون على التباين والتغاير مطبوعون على التحالف والتناصر مضطرون إلى التعاون والتجاور مفتقرون إلى التعاضد والتوازر فلا بد من زعيم يمنعهم من التظالم ويحملهم على التناصف في التداعي والتحاكم ويقيم الحدود فتصان المحارم عن الانتهاك وتحفظ الأنساب عن الاختلاط والاشتراك ويحيمي بيضة الإسلام فيمنع أن تطرق ويصون الثغور أن يتوصل إليها أو يتطرق ليعز الإسلام دارا ويطمئن المستخفي ليلا ويأمن السارب نهارا ويذب عن الحرم فتحترم ويذود عن المنكرات فلا تغشى بل تصطلم ويجهز الجيوش فتنكأ العدو وتغير على بلاد الكفر فتمنعهم القرار والهدو ويرغم أنف الفئة الباغية ويقمعها ويدغم الطائفة المبتدعة ويردعها ويأخذ أموال بيت المال بحقها فيطاوع ويصرفها إلى مستحقها فلا ينازع لا جرم اعتبر للقيام بها أكمل الشروط وأتم الصفات وأكرم الشيم وأحسن السمات .
وكان السيد الأعظم الإمام النبوي سليل الخلافة وولي الإمامة أبو فلان فلان العباسي المتوكل على الله مثلا أمير المؤمنين سلك الله تعالى به جدد آبائه الراشدين هو الذي جمع شروطها فوفاها وأحاط منها بصفات الكمال واستوفاها ورامت به أدنى مراتبها فبلغت إلى أغياها وتسور معاليها فرقي إلى أعلاها واتحد بها فكان صورتها ومعناها وكانت الإمامة قد تأيمت ممن يقوم بأعبائها وعزت خطابها لقلة أكفائها فلم تلف لها بعلا يكون لها قرينا ولا كفئا تخطبه يكون لديها مكينا إلا الإمام الفلاني المشار إليه فدعته لخطبتها وهي بيت عرسه ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ) فأجاب خطبتها ولبى دعوتها لتحققه رغبتها إليه وعلمه بوجوب إجابتها عليه إذ هو شبلها الناشىء بغابها وغيثها المستمطر من سحابها بل هو أسدها الهصور وقطب فلكها الذي عليه تدور ومعقلها الأمنع الحصين وعقدها الأنفس