فقد تبين بهذه الحكاية أن لكل نوع من الكتابة مادة يحتاج إليها بمفردها وآلة تخصها لا يستغنى عنها .
على أن كاتب الإنشاء في الحقيقة لا يستغني عن علم ولا يسعه الوقوف عند فن فقد قال الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر إن صاحب هذه الصناعة يحتاج إلى التشبث بكل فن من الفنون حتى إنه يحتاج إلى معرفة ما تقوله النادبة بين النساء والماشطة عند جلوة العروس وإلى ما يقوله المنادي في السوق على السلعة فما ظنك بما فوق هذا وذلك لأنه مؤهل أن يهيم في كل واد فيحتاج إلى أن يتعلق بكل فن بل قد قيل إن كل ذي علم يسوغ أن ينسب إليه فيقال فلان النحوي وفلان الفقيه وفلان المتكلم ولا يجوز أن ينسب المتعلق بالكتابة إليها فلا يقال فلان الكاتب لما يفتقر إليه من الخوض في كل فن .
واعلم أن كاتب الإنشاء وإن كان يحتاج إلى التعلق بجميع العلوم والخوض في سائر الفنون فليس احتياجه إلى ذلك على حد واحد بل منها ما يحتاج إليه بطريق الذات وهي مواد الإنشاء التي يستمد منها ويقتبس من مقاصدها كاللغة التي منها استمداد الألفاظ والنحو الذي به استقامة الكلام وعلوم البلاغة من المعاني والبيان والبديع التي هي مناط التحقيق والتحسين والتقبيح ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى وعلى هذا اقتصر الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر وتبعه على ذلك الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي C في كتابه حسن التوسل ومنا ما يحتاج إليه بطريق العرض كالطب والهندسة والهيئة ونحوها من العلوم فإنه يحتاج إلى معرفة الألفاظ الدائرة بين أهل كل علم وإلى معرفة المشهورين من أهله ومشاهير الكتب المصنفة فيه لينظم ذلك في خلال كلامه فيما يكتب به من متعلقات كل فن من هذه الفنون كالألفاظ الدائرة بين أهل الطب ومشاهير أهله وكتبه فيما يكتب به لرئيس الطب ونحو ذلك من الهيئة فيما يكتب به لمنجم