هل حَصّلتموه على وجههَ وهل أحطْتُم بحقائقِه وهل وَفَّيتُم كلَّ بابٍ منه حَقَّه وأحكمتموهُ إحكاماً يُؤمِنُكم الخطأَ فيه إذا أنتم خضتُمْ في التَّفسير وتعاطَيتُم علمَ التأويل ووازنْتُم بينَ بعضِ الأقوال وبعضٍ وأردتُم أن تَعرفوا الصّحيحَ منَ السّقيم . وعُدتم في ذلك وبدأتُم وزِدتُم ونقصتُم وهل رأيتم إذ قد عَرفتم صورةَ المبتدأ والخبر وأن إعرابَهُما الرفعُ أن تَجَاوزوا ذلك إلى أن تنظروا في أقسامِ خَبرهِ فتعلموا أنه يكونُ مفرداً وجُملة . وأنَّ المفردَ ينقسمُ إلى ما يحتملُ ضميراً له وإلى ما لا يحتملُ الضَّمير . وأن الجملةَ على أربعةِ أضربٍ وأنه لا بدَّ لكلَّ جملةٍ وقعتْ خبراً لِمُبتدأ من أن يكون فيها ذِكْرٌ يعودُ إلى المبتدأ وأنَّ هذا الذَّكرَ ربما حُذف لفظاً وأريدَ معنىً . وأن ذلك لا يكون حتّى يكونَ في الحالِ دليلٌ عليه إلى سائِر ما يَتَّصلُ ببابِ الإبتداء من المَسائل اللّطيفة والفوائدِ الجليلة التي لا بُدَّ منها وإِذا نظرتم في الصَّفة مثلاً فعرفتم أنها تتبع الموصوفَ وأن مِثالها قولُكَ : جاءني رجلٌ ظريفٌ ومررت بزيدٍ الظريفِ هل ظننتم أن وراء ذلك عَلماً وأنَّ هاهنا صفةً تُخصَّصُ وصفةً توضّحُ وتُبّين وأنّ فائدةِ التخصيص غير فائدة التَّوضيح كما أن فائدةَ الشَّياع غيرُ فائّدةِ الإِبهام . وأنَّ من الصفةِ صفةً لا يكونُ فيها تخصيصٌ ولا توضيحٌ ولكن يؤتى بها مؤكَّدة كقولهم : أمسِ الدّابُر . وكقوله تعالى : ( فإِذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدةٌ ) وصفةً يُرادُ بها المدحُ والثناءُ كالصفاتِ الجاريةِ على اسمِ الله تعالى جَدُّة وهل عرفتُم الفرقَ بينَ الصفة والخبر وبينَ كلَّ واحدٍ منها وبينَ الحال وهل عرفُتم أنَّ هذه الثلاثةَ تَتّفقُ في أن كافَّتَها لثبوتِ المعنى للشيءِ ثم تختلفُ في كيفيّةِ ذلك الثُّبوت .
وهكذا ينبغي أن تُعرضَ عليهم الأبوابُ كلُّها واحداً واحداً ويُسألوا عنها باباً باباً . ثم يقالُ : ليس إلا أحدُ أمرين إمّا أن تَقْتحموا التي لا يَرْضاها العاقلُ فَتُنكروا أن يكونَ بكم