أصحابهِ مكانَ المائدةِ منَ القوم يتحلّقون حَلْقَةً دونَ حَلْقَةً فيلتفتُ إلى هؤلاءِ وإلى هؤلاء . والأخبارُ فيما يُشبه هذا كثيرةٌ والأثرُ به مُستفيضٌ .
وإنْ زعمَ أنّه ذُمَّ الشَّعرُ من حيثُ هو موزونٌ مُقَفُّى حتىّ كأنَّ الوزنَ عيْبٌ وحتى كأنَّ الكلامَ إّذا نُظِم نَظْمَ الشّعرِ اتَّضَع في نفسِه وتغيَّرتْ حالُه فقد أبعدَ وقال قَولاً لا يعُرفُ له معنىً وخالفَ العلماءَ في قولِهم : " إنّما الشَّعرُ كلامٌ حَسنُه حسنٌ وقبيحهُ قبيحٌ " وقد رُوي ذلك عن النّبي مرفوعاً أيضاً .
فإنْ زعمَ أنه إنما كرهَ الوزنَ لأنه سببٌ لأنْ يُغَنَّى في الشِّعر ويُتَلَهَّى به فإِنّا إذا كنّا لم ندعُه إلى الشعرِ من أجلِ ذلك وإنّما دَعوْناهُ إلى اللفظ الجزلِ والقولِ الفَصْلِ والمنطقِ الحسنِ والكلام البَيِّن وإلى حُسنِ التَّمثيل والاستعارةِ وإلى التَّلويحِ والإِشارةِ وإلى صنَعةٍ تَعْمَدُ إلى المَعنى الخسيسِ فَتُشرَّفُه وإلى الضّّئيل فتفخَّمُه وإلى النازل فترفعُه وإلى الخامِل فتنوَّهُ به وإلى العاطِل فَتحلتَهُ وإلى المُشكِل فَتُجَلِّيَهُ فلا مُتَعلقَ لهُ علينا بما ذَكر ولا ضَرَرَ علينا بما أنكر فليَقُلْ في الوزنِ ما شاء وليَضَعْهُ حيث أرادَ فليسَ يعنينا أمرهُ ولا هو مُرادُنا من هذا الَّذي راجَعْنا القولَ فيه وهذا هو الجوابُ لِمُتعلَّقِ إنْ تعلَّق بقولِهِ تعالى : ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشَّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ) . وأرادَ أن يجعلَهُ حُجَّةً في المَنْع منَ الشَّعر ومن حَفظِه وروايتِه وذاك أنّا نعلمُ أنه لم يمنعِ الشَّعْرَ من أجلِ أنْ كان قولاً فَضْلاً وكلاماً جَزْلاً ومَنطقاً حَسناً وبياناً بَيّناً .
كيف وذلَكَ يقتضي أن يكونَ اللّهُ تعالى قد مَنعَه البيانَ والبلاغَةَ وحَماهُ الفَصاحةَ والبَراعةَ وجَعَلَه لا يبلغ مبلغ الشُّعراءِ في حُسنِ العبارة وشرَفِ اللَّفظ وهذا جهلٌ عظيمٌ وخلافٌ لِما عرفَه العُلماءُ وأجمعوا عليه من أنّه كان أفصَحَ العَرب . وإذا بَطل أن يكونَ