المنعُ من أجلِ هذه المعاني وكُنّا قد أعلمناهُ أنا نَدعو إلى الشَّعر من أجلها ونَحْذو بطلبهِ على طَلبها كان الاعتراضُ بالآيةِ مُحالاً والتعلُّقُ بها خَطَلاً من الرّأي وانحلالاً .
فإنْ قال : إِذا قالَ الله تعالى : ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشَّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ) فقد كَرِهَ للنبيَّ الشعْرَ ونزَّهَه عنهُ بلا شبهة . وهذه الكراهةُ وإن كانت لا تتوجَّهُ إليه من حيثُ هو كلامٌ ومن حيثُ إنه بليغٌ بَيِّنٌ وفصيحٌ حسنٌ ونحوُ ذلك فإِنَّها تتوجَّه إلى أمرٍ لا بدَّ لك من التَّلَبُّس به في طلبِ ما ذكرتَ أنهُ مُرادُك منَ الشَّعر وذاك أنّه لا سبيلَ لك إلى أن تميَّزَ كونَهُ كلاماً عن كونهِ شعراً . حتى إذا رويتَهُ التبسْتَ بهِ من حيثُ هو كلامٌ ولم تلتبس به من حيثُ هو شعرٌ . وهذا محال وإِذا كان لا بد لك من مُلابسة موضعِ الكراهة فقد لزم العيب برواية الشّعر وإعمالِ اللَّسانِ فيه قيل له : هذا منكَ كلامٌ لا يَتَحَصَّلُ وذلك أنه لو كان الكلامُ إذا وُزن حطَّ ذلكَ من قدرهِ وأزرَى به وجلبَ على المُفرَّغ له في ذلك القالب إثْماً وكسبهُ ذمّاً لكان من حقَّ العيبِ فيه أن يكونَ على واضعِ الشّعر أو من يُريدُه لمكانِ الوزنِ خُصوصاً دونَ مَن يُريدُه لأمرٍ خارجٍ عنه ويطلبه لشيءٍ سواهُ .
فأما قولُك : إنَّك لا تستطيعُ أن تطلب منَ الشّعر ما لا يُكْرَهُ حتى تلتبس بما يُكرهُ فإِنّي إِذاً لم أقصدْه من أجلِ ذلك المكروهِ ولم أُردْه له وأردتُه لأعرفَ بهِ مكانَ بلاغةٍ وأجعلَهُ مثالاً في بَراعةٍ . أو أَحتجَّ في تفسير كتابٍ وسنّة وأنظرَ إلى نظمِه ونظمِ القُرآن فأرى موضعَ الإِعجازِ وأقفَ على الجهة الّتي منها كان وأتبيَّنَ الفصلَ والفُرقان فحقُّ هذا التّلَبُّسِ أن لا يُعتدَّ عليَّ وأن لا أؤاخذَ به إِذ لا تكونُ مؤاخَذَةٌ حتى يكونَ عَمْدٌ إلى أن تُواقعَ المكروهِ وقَصدٌ إليه .
وقد تَتَّبع الُعلماءُ الشَّعوذة والسَّحر وعُنوا بالتَّوقُّفِ على حَيَل المُمَوَّهين ليعرفوا فرقَ ما بينَ المُعجزة والحِيلةِ فكان ذلك منهم من أعظمِ البِّر إِذ كان الغرضُ كريماً والقصدُ شريفاً .
هذا وإِذا نحنُ رجعنا إلى ما قَدّمناهُ منَ الأخبارِ وما صحَّ من الآثارِ وجدنا الأمرَ