الخبر لا يحسُنُ أو لا يسوغُ فلو قلتَ : مالٌ وعددٌ ومحٌل ومرتَحلٌ وغيرُها إبلاً وشاءً لم يكن شيئاً . وذلك أنَّ " إنَّ " كانت السببَ في أنْ حَسُنَ حذفُ الذي حُذِفَ من الخبرِ وأنها حاضِنَتُهُ والمترجِمُ عنه والمتكفِّلُ بشأنه .
واعلمْ أنَّ الذي قلنا في " إنّ " من أنَّها تدخلُ على الجُملة من شأنها إذا هي أسقِطَتْ منها أن يُحْتَاجَ فيها إلى الفاءِ لا يطَّردُ في كلِّ شيءٍ وكلِّ موضِع بل يكونُ في موضِعٍ دونَ موضعٍ وفي حالٍ دونَ حالٍ . فإِنك قد تراها قد دخلتْ على الجملةِ ليستْ هي مما يَقْتضي الفاءَ . وذلك فيما لا يُحْصَى كقولهِ تعالى : ( إنَّ المُتَّقينَ في مَقامٍ أَمِينٍ . في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) وذاكَ أنَّ قبله ( إنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ) . ومعلومٌ أنك لو قُلتَ : إنّ هذا ما كنتُم به تَمْترون فالمُتَّقونَ في جناتٍ وعيونٍ لم يكن كلاما . وكذلك قولُه : ( إِنَّ الذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى أُولئك عَنْها مُبْعَدُون ) لأنك لو قلت : ( لَهُمْ فيها زَفيرٌ وهُمْ فيها لا يَسْمعُون ) . فالذين سَبَقتْ لهم منَّا الحسنى لم تجدْ لإِدخالِك الفاء فيه وجهاً . وكذا قولُه : ( إِنَّ الذينَ آمَنُوا والذينَ هَادُوا والصّابِئينَ والنَّصارى والمَجُوسَ والذينَ أَشْرَكُوا إنّ الله يَفْصِلُ بينهُم يومَ القِيامةِ ) ( الذين آمنوا ) اسم إنَّ وما بعدَه معطوفٌ عليه وقولُه : ( إنَّ اللهَ يفصلُ بينهُم يومَ القيامةِ ) جملةٌ في موضعِ الخبرِ . ودخولُ الفاء فيها مُحالٌ لأنَّ الخَبر لا يُعْطَفُ على المبتدأ .
ومثلُه سواءٌ ( إِنَّ الذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ إنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أحْسَنَ عَمَلاً ) فإِذًا إنما يكونُ الذي ذكرنا في الجملة من حديثِ اقتضاءِ الفاءِ إذا كان مصدرُها مصدَرَ الكلام يُصَحَّحُ به ما قبلَه ويُحْتَجُّ له ويُبَيَّنُ وجهُ الفائدة فيه . ألا ترى أنَّ الغرضَ من قوله : إنَّ ذاكَ النجاحَ في التكبيرِ جلُّه أن يبيِّن المعنى في قوله لصاحبيه " بكِّرَا " وأن يحتجَّ لنفسه في الأَمرِ بالتبكير ويبينَ وجهَ الفائدةِ فيه وكذلكَ الحكمُ في الآي التي تَلوْناها فقولُه : ( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظيمٌ ) بيانٌ لمعنى في قوله تعالى : ( يا أَيُّها النَّاسُ اتَّقُوْا