الشِّعرُ فينحَلُه الفحولَ والجاهليين فيخفَى ذلك له . ويجوزُ أن يَشْتَبِهَ ما نحن فيه عليه حتى يَقعَ له أن يَنْتِقدَ على بشارٍ . فلا غروَ أن تدخُلَ الشُّبْهةُ في ذلك عَلَى الكندي .
ومما تصنَعُه " إنَّ في الكلام أنَّك تَراها تُهيِّىءُ النكرةَ وتصلِحُها لأن يكون لها حكمُ المبتدأ أعني أن تكونَ مُحدَّثاً عنها بحديثٍ من بعدِها . ومثالُ ذلك قوله - مخلع البسيط - : .
( إنَّ شِواءً ونَشْوَةً ... وخبَبَ البازلِ الأُمونِ ) .
قد تَرى حسنَها وصحَّة المعنى معها ثم إنّك إن جئتَ بها من غيرِ " إنَّ " فقلتَ : .
( شِواءٌ ونشوةٌ وخببُ البازلِ الأمون ... ) .
لم يكن كلاماً . فإِنْ كانتِ النكرةُ موصوفةً وكانتْ لذلك تصلُحُ أن يُبتدأ بها فإنك تَراها مع " إنَّ " أحسنَ وترى المعنى حينئذٍ أَولى بالصِّحَّة وأمْكَنَ . أفلا ترى إلى قوله - الخفيف - : .
( إنَّ دَهْراً يَلُفُّ شَمْلي بسُعْدى ... لَزَمانٌ يَهُمُّ بالإِحْسانِ ) .
ليس بخفيٍّ - وإن كانَ يستقيمُ أن تقولَ : دهرٌ يلفُّ شملي بِسُعْدَى دهرٌ صالحٌ : - أنْ ليس الحالان علىسواءٍ . وكذلك ليس يَخْفى أنك لو عَمدتَ إلى قوله - مشطور المديد - : .
( إِنَّ أَمْراً فادِحاً ... عَن جَوابي شَغَلَكْ ) .
فأسقطتَ منه " إنّ لعَدمْتَ منه الحُسْنَ والطّلاوةَ والتمكُّنَ الذي أنت واجَدهُ الآن ووجدتَ ضعفاً وفتُوراً