( إِذا طَمِعٌ يَوْماً عَراني قَرَيْتُه ... كتائِبَ يَأْسٍ كَرَّها وطِرادَها ) .
( أَكُدُّ ثِمادي والمياهُ كَثيرَةٌ ... أُعالِجُ مِنها حَفْرَها واكْتِدادَها ) .
( وأَرْضَى بها مِنْ بحرِ آخرَ إنّهُ ... هُوَ الرِّيُّ أن تَرْضَى النُّفوسُ ثِمادَها ) .
المقصودُ قولُه : إنه هو الريُّ وذلك أَن الهاءَ في " إنه " تحتَملُ أمرين : أحدُهُما أن تكون ضميرَ الأمْرِ ويكونَ قولُه " هو " ضمير " أن ترضى " وقد أَضْمِرَ قبل الذِّكْر على شريطةِ التفسير الأصل أن الأمر أن ترضى النفوس ثمادها الري ثم أضمر قبل الذكر كما أضمِرَتِ الأبصارُ في ( فإِنها لا تَعمى الأَبصارُ ) على مذهب أبي الحسنِ ثم أتى بالمضْمَرِ مصرَّحاً به في آخر الكلام فَعُلِمَ بذلك أن الضميرَ السابقَ له وأنه المرادُ به . والثاني أن تكون الهاء في " إنه " ضميرَ أن ترضى قبلَ الذكر ويكونَ " هو " فَصْلاً ويكونَ أصلُ الكلام : إنَّ أنْ ترضى النفوسُ ثِمادَها هو الرِّيُّ ثم أُضمِرَ على شريطةِ التفسير . وأيُّ الأمرين كان فإِنه لا بُدَّ فيه من " إنَّ " ولا سبيلَ إلى إسقاطِها لأنك إنْ أسقطتَها أفضَى ذلك بك إلى شيءٍ شنيعٍ وهو أن تقولَ : وأرضَى بها من بَحْر آخرَ وهو الريُّ أن ترضَى النفوسُ ثمادَها .
هذا وفي " إنّ " هذه شيءٌ آخرُ يوجبُ الحاجةَ إليها وهو أنَّها تتولَّى من رَبْط الجملةِ بما قبلها نحواً مما ذكرتُ لك في بيتِ بشارٍ . ألا ترى أنك لو أسقطتَ " إن " والضميرين معاً واقتصرتَ على ذكرِ ما يَبقى من الكلامِ لم تَقُلْه إلا بالفاء كقولك : وأرضَى بها من بَحْرِ آخرَ فالريُّ أن ترضَى النفوسُ ثِمادَها . فلو أنّ الفيلسوفُ قد كان تتبَّعَ هذه المواضعَ لَما ظَنَّ الذي ظنَّ .
هذا وإِذا كان خلفٌ الأحْمرُ وهو القُدوةُ ومَنْ يؤخذُ عنه ومَنْ هو بحيثُ يقولُ