في الآية في لفظه " ربحتْ " نفسِها ولكن في إِسنادها إِلى التجارة . وهكذا الحكمُ في قولهِ : " سقتها خروق " ليس التجوّزُ في نفس " سقتها " ولكنْ في أن أسنَدَه إِلى الخروقِ . أفلا ترى أنك لا تَرى شيئاً منها إِلاّ وقد أُرِيدَ به معناه الذي وُضِعَ له على وجههِ وحقيقتهِ فلم يُرِدْ بصائمٍ غيرَ الصوم ولا بقائمٍ غيرَ القيام ولا ب " ربحت " غيرَ الربح ولا ب " سقت " غيرَ السَقي كما أريدَ ب " سالَتْ " في قوله - الطويل - : .
( وسالتْ بأعناقِ المطيِّ الأباطحُ ... ) .
غَيرَ السَّيل .
واعلمْ أن الذي ذكرتُ لك في المجاز هناك مِنْ أَنَّ مِنْ شأنِهِ أن يَفْخُمَ عليه المعنى وتحدُثَ فيه النَّباهةُ قائم لك مثلُه هاهُنا . فليس يَشتَبه على عاقلٍ أنْ ليس حالُ المعنى وموقعهُ في قولهِ - الرجز - : .
( فَنَامَ لَيْلي وتجَلَّى هَمِّي ... ) .
كحالهِ وموقعهِ إذا أنتَ تركتَ المجازَ وقلتَ : فنمتُ في ليلي وتجلَّى همي كما لم يكنِ الحالُ في قولك : رأيتُ رجلاً كالأسد . ومَنْ ذا الذي يَخفى عليه مكانُ العلوِّ وموضعُ المزية وصورةُ الفُرقان بينَ قولهِ تعالى : ( فما ربحتْ تجارتُهم ) وبينَ أن يقالَ : " فما رَبحوا في تجارتِهم " .
وإنْ أردتَ أَنْ تزدادَ للأمرِ تَبيُّناً فانظرْ إلى بيتِ الفرزدق - الكامل - : .
( يَحْمي إذا اخْتَرَطَ السُّيوفُ نِساءَنا ... ضَرْبٌ تَطيرُ لَه السَّواعدُ أرْعَلُ )