وإلى رَونِقه ومائِه وإلى ما عليه مِنَ الطَّلاوة . ثم ارجعْ إلى الذي هو الحقيقةُ وقُل : " نحمي إذا اخْتَرطَ السيوفُ نساءَنا بضربٍ تطيرُ له السواعدُ أرعلُ " ثم اسْبِرْ حالَك هل تَرى مما كنتَ تراه شيئاً .
وهذا الضَّرْبُ منَ المجاز على حِدَته كنز من كنوزِ البلاغة ومادَّةُ الشاعر المُفْلِقِ والكاتبِ البليغِ في الإِبداع والإِحسان والاتِّساعِ في طُرُق البيانِ . وأن تجيءَ بالكلام مَطبوعاً مصنوعاً وأن يضعَه بعيدَ المَرامِ قريباً منَ الأَفهامِ . ولا يغرَّنَّك من أمرِه أنك ترى الرجلَ يقولُ : " أتى بيَ الشَّوقُ إلى لقائك وسارَ بيَ الحنينُ إلى رؤيتك وأقْدَمني بلدَك حقٌّ لي على إنسان " وأشباهُ ذلك مما تجدُه لسَعَتهِ وشهرتهِ يَجري مَجرى الحقيقةِ التي لا يُشكلُ أمرُها فليس هو كذلك أبداً بل يَدِقُّ ويلطفُ حتى يمتنعَ مثلهُ إلا على الشاعرِ المُفْلق والكاتبِ البليغِ وحتى يأتيَك بالبِدعةِ لم تَعرفْها والنادرةِ تأنَقُ بها .
وجملةُ الأمر أنَّ سبيلَه سبيلُ الضَّرب الأول الذي هو مجازٌ في نفسِ اللفظ وذاتِ الكلمة . فكما أنَّ مِن الاستعارة والتَّمثيل عاميَّاً مثلَ : رأيتَ أسداً ووردتُ بحراً وشاهدتُ بدراً وسَلَّ من رأيه سيفاً ماضياً . وخاصّياً لا يكمُلُ له كلُّ أحدٍ مثلَ قوله : .
( وسالَتْ بأعْناقِ المَطِيِّ الأَباطِحُ ... ) .
كذلك الأمرُ في هذا المجازِ الحكميِّ .
واعلمْ أنه ليس بواجبٍ في هذا أن يكونَ للفعل فاعلٌ في التقدير إذا أنتَ نقلتَ الفعلَ إليه عدتَ به إلى الحقيقةِ مثلَ أن تقولُ في ( ربحت تجارتُهم ) : رَبحوا في تجارتِهم وفي " يحمي نساءَنا ضربٌ " : نَحمي نساءنا بضرب فإِنَّ ذلك لا يتأتَّى في كلِّ شيءٍ . ألا ترى أنه لا يمكنُك أن تثبتَ للفعل في قولك : أقدَمني بلدَك حقٌّ لي على إنسان : فاعلاً سوى الحقِّ وكذلك لا تستطيعُ في قولهِ - مجزوء الوافر - : .
( وصَيَّرني هَواكِ وَبي ... لِحَيْني يضْرَبُ المَثَلُ )