وترسَّل بينَ الماضي والغابرِ ينقلُ مكارمَ الأخلاق إِلى الولدِ عن الوالد ويؤدَّي ودائعَ الشَّرف عن الغائب إِلى الشَاهد حتى ترى به آثارَ الماضين مُخَلَّدةً في الباقين وعقولَ الأوَّلين مُردَّدةً في الآخرين وتَرى لكلَّ مَن رَام الأدب وابتغَى الشَّرفَ وطلبَ محاسنَ القولِ والفعْل مناراً مرفوعاً وعَلماً مَنصوباً وهادياً مُرشداً ومُعلّماً مسدَّداً . وتجدُ فيه للنَّائي عن طَلبِ المآثر والزّاهِدِ في اكتسابِ المحامدِ داعياً ومُحرَّضاً وباعثاً ومحضَّضاً ومذكَّراً ومعرَّفاً وواعظاً ومثقَّفاً .
فلو كنتَ ممّن يُنصفُ كانَ في بعضِ ذَلك ما يُغيَّر هذا الرّأيَ منك وما يحدوكَ على روايةِ الشَّعر وطلبه . ويمنعُكَ أنْ تَعيبَه أو تَعيبَ به . ولكنّك أَبَيْتَ إِلاّ ظناً سبقَ إِليكَ وإِلاّ بادىءَ رأيٍ عنَّ لك فأقفلتَ عليه قلبَكَ وسددْتَ عمَّا سِواهُ سَمْعَك . فعيَّ الناصحُ بك وعسَرَ على الصَّدِيقِ والخَليطِ تنبيهُك . نعم وكيف رَويتَ : " لأَنْ يمتلىء جوفُ أحدكم قيحاً فيريَهُ خيرٌ له من أن يمتلىء شعراً " . ولهجتَ له وتركتَ قولَه : " إِنَّ من الشعرِ لحكماً وإِنَّ منَ البيانِ لسحراً " . وكيف نسيتَ أمرَه بقولِ الشعرِ ووعدَه عليه الجَّنة وقوله لحسان " قل وروحُ القدسِ مَعك وسماعَهُ له واستنشادَه ُ إِيّاه وعملَهُ به واستحسانَهُ له وارتياحَهُ عند سماعه