( ولكنّنا يا أمَّ عمرٍو نديمُنا ... بمنزلةِ الرَّيانِ ليسَ بعائمِ ) .
أسَّرَكِ . . . البيتين .
فإِذاً رُبّ هَزلِ أداةً في جِدٍّ وكلامٍ جَرى في باطلٍ ثم استُعينَ به على حقٍّ كما أنّه رُبَّ شيءٍ خسيسٍ تُوُصَّلَ به إِلى شريفٍ بأن ضُربَ مثلاً فيه وجُعِل مثالاً له . كما قال أبو تمام - الكامل - : .
( واللّهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لِنُورهِ ... مَثلاً منَ المِشْكاةِ والنَّبْراسِ ) .
وعلى العكس فربَّ كلمةِ حقٍ أَريدَ بها باطل فاستحقَّ عليها الذمَّ كما عرفتَ من خَبَرِ الخارجيَّ مع عليٍّ رضوانُ الله عليه . وربَّ قولٍ حسنٍ لم يَحسُنْ من قائِلِه حينَ تسبَّب به إِلى قبيحٍ كالذي حَكى الجاحظُ قال رجعَ طاووسٌ يوماً عن مجلسِ مُحمّدِ بنِ يوسُفَ وهوَ يومئذٍ والي اليمنِ فقال ما ظننتُ أنَّ قولَ " سُبحانَ اللّهِ " يكونُ معصيةً لله حتى كانَ اليومُ سمعتُ رجلاً أبلغَ ابنَ يوسُفَ عن رجلٍ كلاماً فقالَ رجلٌ من أهلِ المَجلس : سبحانَ الله ! كالمُستعظم لذلك الكلامِ لِيُغضب ابنَ يوسف .
فبهذا ونحوِه فاعتبرْ واجعلْهُ حُكماً بينَك وبينَ الشَّعر .
وبعدُ فكيفَ وضعَ منَ الشعرِ عندكَ وكسبَهُ المَقْتَ منك أنَّك وجدتَ فيه الباطلَ والكذبَ وبَعضَ ما لا يَحْسُن ولم يَرفعْه في نفسِك ولم يُوجِبْ له المحبَّةَ من قَلبكَ أنْ كانَ فيه الحقُّ والصَّدقُ والحِكمةُ وفصْلُ الخِطاب وأن كانَ مَجْنى ثمرِ العقولِ والألبابِ ومُجتمعَ فرقِ الآدابِ والذي قَيَّدَ على النّاسِ المعاني الشَّريفةَ وأفادَهُم الفوائدَ الجليلة