المولَّدين ولا يشبه ذاكَ الكلامَ ولا يدخلُ في معنى القصيدةِ . قالَ : فقامَ خلفٌ فقبَّل بشَّاراً بَيْنَ عينيه . فهل كان هذا القولُ من خَلَفٍ والنقدُ على بشارٍ إِلاّ لِلُطفِ المعنى في ذلك وخفائه .
واعْلَمْ أنَّ من شأنِ " إِنَّ " : إِذا جاءتْ على هذا الوجهِ أَن تُغْنيَ غَناءَ الفاءِ العاطفةِ مثلاً وأَن تُفِيدَ من ربطِ الجملةِ بما قبلَها أمراً عجيباً . فأَنتَ ترى الكلاَم بها مُستأنفاً غيرَ مستأنفٍ مقطوعاً موصولاً معاً . أفلا ترى أنك لو أسقطتَ " إِنَّ " من قولِهِ : إِنَّ ذاك النجاحَ في التبكيرِ لم تَرَ الكَلاَم يلتئِمُ ولرأيتَ الجملةَ الثانيةَ لا تَتَّصلُ بالأولى ولا تكونُ منها بسبيلٍ حتى تجيءَ بالفاءِ فتقولَ : بكِّرا صاحِبَيَّ قبلَ الهجيرِ فذاكَ النجاحُ في التبكيرِ ومثُلُه قولُ بعضِ العربِ - الرجز - : .
( فغَنِّها وَهْيَ لكَ الفِداءُ ... إِنَّ غِناءَ الإِبلِ الحُداءُ ) .
فانظرُ إِلى قولِه : إِنَّ غناءَ الإِبلِ الحُداءُ وإِلى ملاءمَتِهِ الكلامَ قبلَه وحُسْنِ تشبُّثهِ به وإِلى حُسْنِ تعطُّفِ الكلامِ الأَوَّلِ عليه . ثم انظُر إِذا تركتَ " إِنَّ " فقلتَ : فغنّها وهيَ لك الفداءُ غناءُ الإِبلِ الحُداءُ كيفَ تكونُ الصورةُ وكيفَ يَنْبو أحدُ الكلامينِ عنِ الآخَرِ وكيف يُشْئِم هذا ويُعْرِقُ ذاك حتى لا تجدَ حيلةً في ائتلافِهما حتى تجتلبَ لهما الفاءَ فتقول : فغنِّها وهيَ لك الفداءُ فغناءُ الإِبلِ الحُداءُ ثم تَعَلَّمْ أنْ ليستِ الألفةُ بينهما من جنسِ ما كانَ وأنْ قد ذهبتَ الأَنَسَةُ التي كنتَ تجدُ والحسنُ الذي كنتَ ترى . ورُويَ عن عَنبسة أنه قال : قَدِمَ ذو الرُّمَّةِ الكوفَةَ فوقف ينشِدُ الناسَ الكُناسةِ قصيدتَه الحائية التي منها - الطويل - :