ولم يزل هائما في طريقه الغرامية إلى أن قال .
( وها أنا ذا كالطيف فيها صبابة ... لعلي إذا نامت بليل أزورها ) .
هذا المعنى قلبه الصاحب بهاء الدين زهير على من تقدمه فيه وسبكه في أغرب القوالب البديعية وأظنه من مخترعاته .
ثم قال بعده .
( من الغيد لم توقد مع الليل نارها ... ولكنها بين الضلوع تثيرها ) .
( تقاضي غريم الشوق مني حشاشة ... مروعة لم يبق إلا يسيرها ) .
( وإن الذي أبقته منها يد الهوى ... فداء يشير يوم وافى نصيرها ) .
هذا المخلص استعبد الصاحب بهاء الدين زهيرا رقيق ألفاظه بحشمة توريته .
ومثله في الحسن قوله من قصيدة يمدح بها الملك الناصر صلاح الدين بن العزيز مطلعها .
( عرف الحبيب مكانه فتدللا ... وقنعت منه بموعد فتعللا ) .
وما أظرف ما قال بعده .
( وأرى الرسول ولم أجد في وجهه ... بشرا كما قد كنت أعهد أولا ) .
ولم يزل يدير كاسات صباباته الغرامية إلى أن قال .
( آها لقلب ما خلا من لوعة ... أبدا يحن إلى زمان قد خلا ) .
( ورسوم جسم كاد يحرقه الهوى ... لو لم تبادره الدموع لأشعلا ) .
( ولقد كتمت حديثه وحفظته ... فوجدت دمعي قد رواه مسلسلا ) .
( أهوى التذلل في الغرام وإنما ... يأبى صلاح الدين أن أتذللا ) .
وما أحلى ما قال بعد المخلص .
( مهدت بالغزل الرقيق لمدحه ... وأردت قبل الفرض أن أتنفلا ) .
ويعجبني أيضا من مخالص القاضي كمال الدين بن نبيه قوله من قصيدة يمدح بها الخليفة الناصر لدين الله مطلعها .
( باكر صبوحك أهنى العيش باكره ... فقد ترنم فوق الأيك طائره )