واذكرني مهيار بحسن براعته ما كتبت به إلى سيدنا ومولانا قاضي القضاة صدر الدين ملك المتأدبين أبي الحسن علي بن الآدمي الحنفي الناظر في الحكم العزيز بالديار المصرية والممالك الإسلامية جمل الله الوجود بوجوده من حماة المحروسة إلى أبوابه العالية بدمشق المحروسة ورياحين الشبيبة غضة وكانت مطالعاتي قد تأخرت عن أبوابه العالية لعارض حجب الفكر عن هذا الفن وهي رسالة مشتملة على نظم ونثر فصدرت الجواب بقصيدة ترفل في حلل النسيب على طريق مهيار وكلها براعة استهلال أولها .
( وصلت ولكن بعد طول تشوقي ... ودنت وقد رقت لقلبي الشيق ) .
وما أحلى ما قلت بعده .
( فثملت من طرب برجع حديثها ... فكأنما قد نادمت بمعتق ) .
وجميعها على هذا الطريق البديعي ومثله .
إن المقر المخدومي الأميني الحمصي لما انتقل من توقيع حمص المحروسة إلى صحابة ديوان الإنشاء بدمشق قصد نقلتي من حماة المحروسة إلى أبوابه العالية وحب حماه يفتر العزم عن ذلك وهذا يفهم من قولي في بعض قصائدي فيها .
( يلذ عناق الفقر لي بفنائها ... وفي غيرها لم أرض بالملك والرهط ) .
ولكنه قطع أسئلته العالية بعد أن كانت كؤوس الإنشاء دائرة بيننا فكتبت إليه بقصيدة تشعر بعتب لطيف وبلابل الغزل تغرد في أفنانها على طريقة مهيار الديلمي وطريق مولانا قاضي القضاة صدر الدين عظم الله تعالى شأنه وبراعة استهلالها .
( من بأسياف هجرهم كلمونا ... ما عليهم لو أنهم كلمونا ) .
ولم أعرب في نحو هذه القصيدة عن غير هذه الإشارات اللطيفة .
ومنها .
( غلقوا باب وصلهم فتح الله ... لهم بالهناء فتحا مبينا ) .
( وصلوا هجرنا وعيش هواهم ... لم نحل عنهم ولو قطعونا ) .
( ملكوا رقنا فصرنا عبيدا ... ليتهم بعد رقنا كاتبونا )