قال ابنُ رشيق : وكانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنَّأتها بذلك وصنعت الأطعمة واجتمع النساء يلعبْن بالمزَاهر كما يصنعن في الأعراس وتتباشر الرجال والولْدَان لأنه حماية لأعراضهم وذَبٌّ عن أحسابهم وتخليد لمآثرهم وإشادَةٌ لذكْرهمْ وكانوا لاَ يهنئون إلاّ بغلام يولد أو شاعر ينبغ فيهم أو فرس تُنتج .
وقال محمد بن سلام الجمحي في طبقات الشعراء لا يحاط بشعر قبيلة واحدة من القبائل العرب وكان الشّعْر في الجاهلية عند العرب ديوانَ علمهم ومنتهى حكمتهم به يأخذون وإليه يَصيرون .
قال ابن عوف عن ابن سيرين : قال : قال عمرُ بن الخطاب Bه : كان الشّعْرُ علم قوم لم يكن لهم علم أصحُّ منه فجاء الإسلامُ فتشاغلت عنه العرب وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم ولَهَتْ عن الشعر وروايته فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنَّ العرب بالأمصار راجعوا رواية الشعر فلم يَئلُوا إلى ديوان مُدَوَّن ولا كتاب مكتوب وألفوا ذلك وقد هلك من العرب مَنْ هلك بالموت والقتل فحفظوا أقلَّ ذلك وذهب عنهم منه كثير وقد كان عند آل النعمان بن المنذر منه ديوان فيه أشعار الفحول وما مُدح به هو وأهل بيته فصار ذلك إلى بني مروان أو صار منه .
قال يونس بن حبيب : قال أبو عمرو بن العلاء : ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلاّ أقلُّه ولو جاءكم وافراً لجاءكم علْمٌ وشعر كثير .
قال محمد بن سلاّم الجُمَحي : ومما يدّل على ذهاب الشعر وسقوطه قلةُ ما بأيدي الرواة المصحّحين لطرفة وعَبيد اللَّذين صحَّ لهما قصائد بقدر عشر وإن لم يكن لهما غيرهن فليس موضعهما حيث وضعا من الشهرة والتَّقْدمة وإن كان ما يروي من الغث لهما فليسا