والعَجَبُ من الأصوليين أنهم أقاموا الدّلائل على خَبَر الواحد أنه حجةٌ في الشّرع ولم يقيموا الدّلالة على ذلك في اللغة وكان هذا أَوْلى وكان من الواجب عليهم أن يَبْحَثوا عن أحوال اللّغات والنّحو وأن يفحصوا عن جَرْحهم وتعديلهم كما فعلوا ذلك في رُواة الأخبار لكنهم تركوا ذلك بالكلية مع شدة الحاجة إليه فإن اللغة والنحو يجريان مَجْرَى الأصل للاستدلال بالنصوص .
ثم قال الإمام : والجواب عن الإشكالات كلّها أن اللغةَ والنّحو والتصريف تنقسم إلى قسمين : .
قسم منه متواتر والعلمُ الضروريّ حاصلٌ بأنه كان في الأزمنة الماضية موضوعاً لهذه المعاني فإنا نجد أنفسنا جازمة بأن السماء والأرض كانتا مُسْتَعملَتين في زَمَنهفي معناهما المعروف وكذلك الماء والهواء والنار وأمثالها وكذلك لم يَزَل الفاعلُ مرفوعاً والمفعولُ منصوباً والمضافُ إليه مجروراً .
وقسم منه مَظنون وهو الألفاظ الغريبة والطريق إلى معرفتها الآحادُ .
وأكثرُ ألفاظ القرآن ونحوه وتصريفه من القسم الأول والثاني فيه قليلٌ جدّاً فلا يُتَمَسَّك به في القَطْعيات ويُتَمَسَّك به في الظّنيات .
هذا كله كلام الإمام فخر الدين وقد تابعهُ عليه صاحبُ الحاصل فأوردَه برُمَّته ولم يتعقّب منهُ حرفاً .
وتعقَّب الأصبهاني في شرح المحصول بعضَه فقال : أما قوله : وأورد ابنُ جنّي باباً في كلمات من الغريب لم يأت بها إلاّ الباهلي .
فاعلمْ أن هذا القدر وهو انفرادُ شخصٍ بنَقْل شيء من اللغة العربية لا يقدَح في عدالته ولا يلزمُ من نَقْل الغريب أن يكون كاذباً في نَقْله ولا قصدَ ابنُ جنّي ذلك . وأما قول المازني : ما قيس . . . إلى آخره .
فإنه ليس بكذبٍ ولا تجويز للْكذب لجواز أن يرى القياس في اللغات أو يُحْمَل كلامه على هذه القاعدة وأمثالها وهي أن الفاعل في كلام العرب مرفوعٌ فكلُّ ما كان في معنى الفاعل فهو مرفوع