وأما قوله : إن الأصوليين لم يقيموا . . . إلى آخره .
فضعيف جداً وذلك أن الدليلَ الدالَّ على أن خبرَ الواحد حجةٌ في الشّرع يمكن التمسّك به في نَقْل اللغة آحاداً إذا وُجدت الشرائط المعتبرة في خبر الواحد فلعلهم أهملوا ذلك اكْتفاءً منهم بالأدلة الدَّالة على أنه حجةٌ في الشرع .
وأما قوله : كان الواجب أن يبحثوا عن حال الرُّواة . . . إلى آخره .
فهذا حق فقد كان الواجب أن يُفْعَل ذلك ولا وجَهْ لإهماله مع احتمال كذب من لم تُعْلَم عدالتُه .
وقال القَرَافي : في شرح المحصول في هذا الأخير : إنما أهملوا ذلك لأن الدواعي متوفّرة على الكذب في الحديث لأسْبابه المعروفة الحاملة للواضعين على الوَضْع وأما اللغةُ فالدَّواعي إلى الكذب عليها في غاية الضّعْف وكذَلك كتبُ الفقه لا تكادُ تجد فروعاً موضوعة على الشافعي أو مالك أو غيرهما وكذلك جَمَعَ الناس من السنّة موضوعاتٍ كثيرة وجَدُوها ولم يجدوا من اللغة وفروع الفقه مثل ذلك ولا قريباً منه .
ولما كان الكذبُ والخطأُ في اللغة وغيرها في غاية النّدرة اكْتَفَى العلماءُ فيها بالاعتماد على الكتب المشهورة المُتَدَاولَة فَإنَّ شُهْرَتها وتداولها يَمْنَعُ من ذلك مع ضعف الداعية له فهذا هو الفرق .
انتهى .
وأقول : بل الجوابُ الحقُّ عن هذا : أن أهلَ اللّغة والأخبار لم يُهْملُوا البحثَ عن أحوال اللغات وَرُوَاتها جَرْحاً وتعديلاً بل فحصوا عن ذلك وبيَّنوه كما بيّنوا ذلك في رُواة الأخبار ومَنْ طاَلعَ الكتبَ المؤلفة في طبقات اللغويين والنُّحاة وأخبارهم وجدَ ذلك .
وقد ألَّف أبو الطيب اللّغوي كتابَ ( مراتب النحويين ) بيَّن فيه ذلك وميَّزَ أهل الصدق من أهل الكذب والوَضْع وسيمرُّ بك في هذا الكتاب كثيرٌ من ذلك في نَوْع الموضوع ونَوْع معرفة الطبقات والثّقات والضعفاء وغيرها من الأنواع .
وأما قول الإمام في القَدْح في كتاب العَيْن فقد قدَّمتُ الجوابَ عنه في أواخر النوع الأول .
وفي الملخص في أُصول الفقه للقاضي عبد الوهاب المالكي : في ثبوت اللغة بأخبار الآحاد طريقان لأصحابنا : أحدُهما - أن اللغة تَثْبُتُ به لأنَّ الدليل إذا دلَّ على وجوب العمل به في الشرع كان في ثبوت اللُّغة واجباً لأن إثْبَاتهَا إنما يُراد للعمل في الشرع .
والثاني - لا تثبت لغةٌ بإخبار الآحاد .
وهذه أمثلةٌ من المتواتر مما تواتَر على أَلْسنَة الناس من زمن العرب إلى اليوم وليس هو في القرآن من ذلك : أسماء الأيام والشهور والربيع والخريف والقَمْح