وأمْلينا هذا الكتاب والنَّقْص في الناس فاشٍ والعَجْزُ لهم شامل إلاّ خصائص كَدَرَاريّ النُّجوم في أَطْرَاف الأُفق فسهَّلنا وَعْرَه ووطَّأْنا شَأْزَه وأَجْرَيْنَاه على تأليف الحروف المُعْجمة إذ كانت بالقلوب أَعْلَق وفي الأَسْماع أَنْفَذ وكان علْمُ العامَّة بها كعلم الخاصة .
وسَمَّيْناه كتاب ( الجمهرة ) لأنا اخْتَرْنا له الجمهور من كلام العرب وأَرْجَأْنا الوَحْشيّ .
انتهى .
وقال ابنُ جنّي في الخصائص : وأما كتابُ الجمهرة ففيه أيضاً من اضْطراب التَّصْنيف وفساد التَّصْريف مما أَعْذرُ واضعَه فيه لبُعْده عن معرفة هذا الأمر ولمَّا كتبتُه وقعتُ في مَتونه وحواشيه جميعاً من التنبيه على هذه المواضع ما اسْتَحْيَيْت من كَثْرَته ثم إنه لما طال عليّ أوْمَأْتُ إلى بعضه وضربتُ البَتَّةَ عن بعضه .
قلت : مقصودُه الفسادُ من حيث ابنية التصريف وذكرُ الموادّ في غير محالّها كما تقدم في العَيْن ولهذا قال : أعذر واضعَه فيه لبُعْده عن معرفة هذا الأمر يعني أن ابنَ دُريد قصيرُ الباع في التصريف وإن كان طويلَ الباع في اللغة .
وكان ابنُ جنّي في التصريف إماماً لا يشُقُّ غبارُه فلذا قال ذلك .
وقال الأزهري ممن ألَّف الكتبَ في زماننا فَرُمي بافتعال العربيَّة وتوليد الألفاظ أبو بكر بن دُريد وقد سألتُ عنه إبراهيمَ بن عَرَفة - يعني - نفْطَويه فلم يَعْبَأْ به ولم يُوَثّقْه في روايته .
قلت : معاذَ اللّه ! هو بَرىءٌ مما رُمي به وَمَن طالَع الجمهرة رأي تحرّيه في روايته وسَأّْذُكرُ منها في هذا الكتاب ما يُعْرَفُ منه ذلك ولا يُقْبل فيه طعنُ نفْطَويه لأنه كانَ بينهما مُنافرةٌ عظيمةٌ بحيث إنَّ ابنَ دُرَيد هجاه بقَوْله : - من السريع - .
( لَوْ أُنْزلَ الْوَحْيُ عَلَى نفْطَويْه ... لكان ذاك الوَحْيُ سُخْطاً عَلَيه ) .
( وشَاعرٍ يُدْعَى بنصْف اسْمه ... مُسْتَأْهلٌ للصَّفْع في أَخْدَعَيْه ) .
( أَحْرَقَهُ اللّهُ بنصف اسْمه ... وَصَيَّرَ الباقي صُرَاخاً عَلَيْه )