شّنُع تأليفه منها نحو : هع وقخ وكق فنَفَاه عن نفسه ولم يَمْزجه بشيء من لفظه وعَلم أيضاً أن ما طال وأملَّ بكثرة حروفه لا يمكنُ فيه من التصَرُّف ما أمكن في أعدَل الأصول وأخفّها وهو الثلاثي وذلك أن التصرّف في الأصل وإن دعا إليه قياسٌ - وهو الاتّساع به في الأسماء والأفعال والحروف - فإن هناك من وجْهٍ آخر ناهياً عنه ومُوحشاً منه وهو أنَّ في نَقل الأصل إلى أصلٍ آخر - نحو صبر وبصر وضرب وربض - صورة الإعلال ( نحو قولهم : ما أطيبه وأيْطَبَه واضمحل وامضحلَ وقسيّ وأَينق وهذا كله إعلالٌ لهذه الكلم وما جرى مجراها فلما كان انتقالهم من أصل إلى أصل نحو صبر وبصر ) مشابهاً للإعلال ( من حيث ذكرنا ) كان عذرا لهم في الامتناع من استيفاء جميع ما تحتمله قسمة التركيب ( في الأصول ) فلما كان ( الأمر ) كذلك واقتضت الضرورةُ رفْضَ البعض واستعمال البعض جرت موادُّ الكلم عندهم مَجْرى مالٍ مُلقًى بين يَدَيْ صاحبه وقد عزم على إنفاق بعضه دون بعض فمَّيَز رديئه وزائفه فنفاه البتة كما نَفَوْا عنهم تركيب ما قَبُح تأليفه ثم ضرب بيده إلى ما لطُف له من جيّده فتناوله للحاجة إليه وترك البعض الآخر لأنه لم يُرد استيعاب جميعَ ما بين يديه منه لما قدمنا ذكْره وهو يرى أنه لو أخذ ما ترك مكان ( أخْذ ) ما أَخذ لأغْنى عن صاحبه وأدَّى في الحاجة إليه تأديته ألا ترَى أنهم لو استعملوا ( لجع ) مكان ( نجع ) لقام مقامه ( وأغنى مَغْناه ) .
ثم قد يكون في بعض ذلك أعراضٌ لهم لأجلها عدّلوا إليه على ما تقدَّمت الإشارةُ إليه في مناسبة الألفاظ للمعاني .
وكذلك امتناعُهم في الأصل الواحد من بعض مُثْله واستعمال بعضها كرَفْضهم في الرباعي مثل فَعْلُل وفَعلل ( وفُعْلَل ) لما ذكرناه فكما توقَّفوا عن استيفاء جميع تراكيب الأصول كذلك توقفوا عن استيفاء جميع أمثلة الأصل الواحد من حيثُ كان الانتقال في الأصل الواحد من مثالٍ إلى مثال في النّقْص والاختلال كالانتقال في المادة الواحدة من تركيبٍ إلى تركيب لكنَّ الثلاثي جارٍ فيه لخفَّته جميع ما تحتملُه القسمةُ وهي الاثنا عشر مثالاً إلا مثالاً واحداً وهو فعُل فإنه رُفض للاستثقال لما فيه من الخروج من كَسْرٍ إلَى ضم .
انتهى كلام ابن جني