وقال ابنُ دُريد في أماليه : أخبرنا عبدُ الرحمن عن عمّه الأصمعي قال : سمعتُ صبْية بحمَى ضَريّة يتراجزون فوقفتُ وصدومي عن حاجتي وأقبلتُ أكتب ما أسمعُ إذ أقبل شيخٌ فقال : أتكتبُ كلامَ هؤلاء الأقزام الأدناع .
وكذلك لم أرَهم توقَّوا أشعار المجانين من العرب بل رَوَوْها واحتجُّوا بها وكُتبُ أئمة اللغة مشحونة بالاستشهاد بأشعار قيس بن ذريح مجنون ليلى لكن قال أبو محمد بن المعلى الأزدي في كتاب ( الترقيص ) : أخبرنا أبو حفص قال أخبرنا أبو بكر الثعلبي عن أبي حاتم قال : قال أبو العلاء العماني الحارثي : لرجل يرقّص ابنته : - من الرجز - .
( محكوكة العَيْنَيْن معْطَاءُ القَفَا ... كأنما قدّت على متن الصفا ) .
( تمشي على متن شراك أعْجَفَا ... كأنما تَنشر فيه مُصحفا ) .
فقلت لأبي العلاء : ما معنى قول هذا الرجل قال : لا أدري ! قلت إن لنا علماء بالعربية لا يَخْفَى عليهم ذلك .
قال فأْتهم .
فأتيتُ أبا عُبيدة فسألته عن ذلك فقال : ما أَطْلَعَني اللّه على علْم الغيب ! فلقيتُ الأصمعي فسألتُه عن ذلك .
فقال : أنا أحسب أن شاعرها لو سُئل عنه لم يَدْر ما هو .
فلقيتُ أبا زيد فسألتُه عنه فقال هذا المرقّص اسمه المجنون بن جندب وكان مجنوناً ولا يَعْرف كلامَ المجانين إلاّ مجنونٌ أسألتَ عنه أحداً قلت : نعم فلم يعرفه أحدٌ منهم .
الرابعة - قال ابنُ الأنباري : نَقْل أهل الأهواء مقبول في اللغة وغيرها إلاَّ أن يكونوا ممن يتدينَّون بالكَذب كالخَطَّابيّة من الرَّافضَة وذلك لأن المُبْتدع إذا لم تكن بدعتُه حاملةً له على الكّذب فالظاهرُ صدْقه .
الخامسة - قال الكمال بن الأنباري : المجهولُ الذي لم يُعْرف ناقله نحوُ أن يقول أبو بكر بن الأنباري : حدّثني رجلٌ عن ابن الأعرابي غيرُ مقبول لأن الجهلَ بالناقل يُوجب الجهلَ بالعَدالة .
وذهب بعضُهم إلى قبوله وهو القائل بقبول المُرسَل .
قال : لأنه نَقْلٌ صدَر ممن لا يُتَّهم في نَقْله لأن التهمة لو تطرَّقت إلى نَقْله عن المجهول لتطرّقت إلى نَقْله عن المعروف .
وهذا ليس بصحيح لأن النقل عن