وقد نثرت في هذا الموضع أبياتا تكون قدوة للمتعلم .
فمن ذلك قولي في فصل من فصول الكلام يتضمن ذكر السيادة وهو الشريف من شرف بنفسه لا بما دفن مع أبيه في رمسه فإن تلك مكارم أتت فتجمل الزمان بمأتاها ثم مات أربابها فدفنت مع موتاها ولو ساد الناس بآبائهم لكانت السيادة للطينة الأولى ولقد خلق الأبناء من الآباء مجبولا وهذا المعنى مأخوذ من قول الشاعر .
( وَمَا الْفَخْرُ بالْعَظْمِ الرَّمِيمِ وَإِنَّمَا ... فَخَارُ الَّذِي يَبْغِي الْفَخَارَ بِنَفْسِهِ ) .
غير أن الفصل الذي ذكرته يتضمن من المعنى زيادة على ما تضمنه هذا البيت .
ومن ذلك ما كتبته في فصل من كتاب يتضمن معاتبة أخ لإخوته وتنصله إليهم فقلت جرحوا قلبي وحبهم يذهب بألم الجراحة وطرفوا عيني وهم يزيدون في نظرها ملاحة وإذا صدرت الإساءة عن الأحباب لم يكن وقرها وقرا وأصبحت وهي منسية إذا تجددت الإساءة بالذكرى وما منهم إلا من سيط دمي بدمه ولحمي بلحمه ولو أن الأسماء معارف الأشخاص لكان اسمي واردا على اسمه وكيف أخشن عليهم وقد جبلني الله لهم على اللين أم كيف أذود النفس عنهم وهي مشتقة منهم وآدم بين الماء والطين ومتى أؤمل من شجرتي أغصانا كهذه الأغصان وقد أصيبت جرثومتها بالجداد ولهذا قيل إن الإخوة يتعذر الاعتياض عنهم ولا يتعذر الاعتياض عن الأولاد .
آخر هذا الفصل مأخوذ من شعر ابن الرومي وهو قوله .
( تَعَزَّيْتَ عَمَّن أثْمَرَتْكَ حَيَاتُهُ ... وَوَشْكُ التَّعَزِّي عَنْ ثِمَارِكَ أجْدَرُ ) .
( تَعَذَّرَ أن نَعْتَاضَ عَنْ أُمَّهَاتِنا ... وَأَبْنَائِنَا وَالنَّسْلُِ لاَ يَتَعَذَّرُ ) .
غير أن ابن الرومي ذكر ذلك في تعزية إنسان بابنه فتصرفت أنا في هذا المعنى ونقلته إلى هذا الفصل في تضمنه معاتبه أخ لإخوته