ومن هذا الضرب ما هو أظهر مما ذكرته وأبين كقول أبي تمام .
( رَعَتْهُ الْفَيَافي بَعْدَ ما كَانَ حِقْبَةً ... رَعَاهَا وَمَاءُ الرَّوْضِ يَنْهَلُّ سَاكِبُهْ ) أخذ البحتري هذا المعنى واستخرج منه ما يشابهه كقوله في قصيدة يفخر فيها بقومه .
( شَيْخَانِ قَدْ ثَقُلَ السِّلاحُ عَلَيْهِما ... وَعَدَاهُمَا رَأْيُ السَّمِيعِ المُبْصِرِ ) .
( رَكِبا الْقَنَا مِنْ بَعْدِما حَمَلاَ الْقَنَا ... فِي عَسْكَرٍ مُتَحَامِلٍ فِي عَسْكَرِ ) فأبو تمام ذكر أن الجمل رعى الأرض ثم سار فيها فرعته أي أهزلته فكأنما فعلت به مثل ما فعل بها والبحتري نقل هذا إلى وصف الرجل بعلو السن والهرمفقال إنه كان يحمل الرمح في القتال ثم صار يركب عليه أي يتوكأ منه على عصا كما يفعل الشيخ الكبير .
وكذلك ورد قول الرجلين أيضافقال أبو تمام .
( لاَ أَظْلِمُ النَّأْيَ قَدْ كانَتْ خَلاَئِقُهَا ... مِنْ قَبْلِ وَشْكِ النَّوَى عِنْدِي نَوًى قُذُفَا ) أخذه البحتري فقال .
( أَعاتِكُ مَا كانَ الشَّبَابُ مُقَرِّبي ... إلَيْكِ فَأَلْحَى الشَّيْبَ إذْ هُو مُبْعدِي ) وهذا أوضح من الذي تقدمه وأكثر بيانا .
الضرب الثاني من السلخ أن يؤخذ المعنى مجردا من اللفظ وذلك مما يصعب جدا ولا يكاد يأتي إلا قليلا .
فمنه قول عروة بن الورد من شعراء الحماسة .
( وَمَنْ يَكُ مِثْلِي ذَا عِيَالٍ وَمُقْتِراً ... مِنَ المَالِ يَطْرَحْ نَفْسَهُ كُلَّ مَطْرَحِ ) .
( لِيَبْلُغَ عُذْراً أَوْ يَنَالَ رَغِيبَةً ... ومُبْلِغُ نفسٍ عُذْرَهَا مِثْلُ مُنْجِحِ ) أخذ أبو تمام هذا المعنى فقال