( قَصْرٌ عَلَيْهِ تَحِيَّةٌ وَسَلامُ ... خَلَعَتْ عَلَيْهِ جَمَالَهَا الأيَّامُ ) .
وما أجدر هذا البيت بمفتتح شعر إسحق بن إبراهيم الذي أينشده للمعتصمفإنه لو ذكر هذا أو ما جرى مجراه لكان حسنا لائقا .
وسئل بعضهم عن أحذق الشعراء فقال من أجاد الابتداء والمطلعألا ترى إلى قصيدة أبي نواس التي أولها .
( يَا دَارُمَا فَعَلَتْ بِكِ الأَيَّامُ ... لَمْ تُبْقِ فِيكِ بَشَاشَةً تُسْتَامُ ) .
فإنها من أشرف شعره وأعلاه منزلة وهي مع ذلك مستكرهة الابتداءلأنها في مدح الخليفة الأمين وافتتاح المديح بذكر الديار ودثورها مما يتطير منه لا سيما في مشافهة الخلفاء والملوك .
ولهذا يختار في ذكر الأماكن والمنازل ما رقَّ لفظه وحسن النطق به كالعذيب والغوير ورامة وبارق والعقيق وأشباه ذلك .
ويختار أيضا أسماء النساء في الغزل نحو سعاد وأميم وفوز وما جرى هذا المجرى .
وقد عيب على الأخطل في تغزله بقذور وهو اسم امرأةفإنه مستقبح في الذكر وقد عيب على غيره التغزل باسم تماضر فإنه وإن لم يكن مستقبحا في معناه فإنه ثقيل على اللسان كما قال البحتري .
( إنَّ لِلْبَيْنِ مِنَّةً لاَ تُؤَدَّى ... وَ يَداً فِي تُمَاضِرٍ بَيْضَاءَ ) .
فتغزله بهذا الاسم مما يشوه رقة الغزل ويثقل من خفته وأمثال هذه الأشياء يجب مراعاتها والتحرز منها .
وقد استثنى من ذلك ما كان اسم موضع تضمن وقعة من الوقائعفإن ذكره لا يكره وإن كان في اسمه كراهة كما ذكر أبو تمام في شعره مواضع مكروهة الأسماء لضرورة ذكر الوقائع التي كانت بها كذكر الحشال وعقوقس وأمثالهما وكذلك ذكر أبو الطيب المتنبي هنزيط وشميصاط وما جرى مجراهما وهذا لاعيب