مرور الأيام شبابا وأوسعها توشية وإذهابا إذا أوسع غيرها تلاشيا وذهابا ومنحها في الدنيا والآخرة عطاء وفاقا لاعطاء حسابا ومثل جدودها في عيون الأعداء شيئا عجابا وأراهم منها وراءهم في اليقظة إرهابا وإرعابا وفي المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا لو جمعت العصور في صعيد واحد لكان هذا العصر عليها فاخرا وفاز بسبق أوائلها وإن جاء آخرا وليس ذلك إلا لخظوته بالدولة الناصرية التي كسته حبرا وقلدته دررا ودونت له من المحامد سيرا وجعلت في كل ناحية من وجهه شمسا وقمرا وقيض الله لها من الخادم وليا يوصل يومه في طاعتها بأمسهولا يرى إلا ومن نفسه في خدمتها رقيب على نفسه وطالما سعى بين يديها بمساع نغص بأخبارها محافل القوم ويقال له فيها ما ضرك ما صنعت بعد اليوم وقد سلفت منها آيات تتمايل في أشباهها وأضرابها واستؤنف لها الآن واحدة تدعى بأم كتابها وهي فتح البيت المقدس الذي تفتحت له أبواب السماء وكثرت بأحاديث مجده كواكب الظلماء واسترد حق الإسلام وطالما سعت الهمم في طلبه بالزاد والماءِومن أحسن ما أتى به آنس قبلته الثانية بقبلته الأولى وأطال منه كل ما قصرته يد الكفر وكانت هي الطولي وبه صح لهذا البيت معنى اسمه وانتقل إلى الطهارة ونزاهتها عن الرجس ووصمه ولم يحزه الخادم حتى طوى ما حوله من البلاد المنجدة والغائرة وكان مركزا لدائرتها فغادره وهو طرف من أطراف الدائرة ولما شارفه نظر منه إلى ظله من الظلل ورأى بلدا قد استقر على متن الجبل مثل الجبل ويطيف به واد تستهزيء عصمته بنوب الدهر وقد انعطف على جوانبه انعطاف الحبوة على الظهر والمسالك إليه مع ذلك ذات تعاريج ومعارج وهي ضيقة مستوعرة يطلق عليها اسم الطرق ولا يطلق عليها اسم المناهج فلما رآه قال هذا أمنية لمن يرى وعلم حينئذ أن كل الصيد في جوف الفرا إلا أن لسان حاله خاطبه وهو أفصح الخطاب وقال امدد يدك فليس دونها من حجاب وكان قد برز من السلاح في لباس رائع من المنعة وأخرج من السواد الأعظم ما خدع العيون والحرب خدعة وما يمنع رقاب البلاد بكثرة السواد ولا يحمي بعوالي الأسوار بل بعوالي الصعاد وفي يوم كذا وكذا خيم المسلمون في عقد داره ونزلوا منه نزول الجار إلى جانب جاره ثم ارتادوا موقفا للقتال وإن لم يكن هناك موقف يقرب مناله ولا يتسع محاله واتفق الرأي على لسان المنجنيق في خطبة عقيلية أبلغ