وبقاء ما يسمى نوراًِ لأن الإضاءة هي فرط الإنارةِ قال الله تعالى ( هو الذي جعل الشمس ضياء القمر نوراً ) فكل ضوء نورِ وليس كل نور ضوءاًِ فالغرض من قوله تعالى ( ذهب الله بنورهم ) إنما هو إزالة النور عنهم أصلاًِ فهو إذاً أزاله فقد أزال الضوءِ وكذلك أيضاً قوله تعالى ( ذهب الله بنورهم ) ولم يقل أذهب نورهم لأن كل من ذهب بشيء فقد أذهبهِ وليس كل من أذهب شيئاً فقد ذهب بهِ لأن الذهاب بالشيء هو استصحاب له ومضيٌّ بهِ وفي ذلك نوع احتجار بالمذهوب به وإمساك له عن الرجوع إلى حالته والعود إلى مكانهِ وليس كذلك الإذهاب للشيء لزوال معنى الاحتجار عنه .
ومما يحمل على ذلك الأوصاف الخاصة إذا وقعت على شيئينِ وكان يلزم من وصف أحدهما الآخرِ ولا يلزم عكس ذلكِ ومثاله قوله تعالى ( سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض ) فإنه إنما خص العرض بالذكر دون الطول للمعنى الذي أشرنا إليهِ والمراد بذلك أنه إذا كان هذا عرضها فكيف يكون طولها ؟ .
وهذا في حالة الإثبات ولو أريد النفي لكان له أسلوب غير ما ذكرناهِ وهو أنه كان يخص به الطول دون العرض .
وأما الأسماء المفردة الواقعة على الجنس فنحو قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام ( قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين ) فإنه إنما قال ( ليس بي ضلالة ) ولم يقل ليس بي ضلال كما قالوا لأن نفي الضلالة أبلغ من نفي الضلال عنهِ كما لو قيل ألك تمر ؟ فقلت في الجواب ما لي تمرةِ وذلك أنفى للتمرِ ولو قلت ( ما لي تمرة ) لما كان يؤدي من المعنى ما أداه القول الأول وفي هذا الموضع دقة تحتاج إلى فضل تمامِ فينبغي لصاحب هذه الصناعة مراعاته والعناية به .
فإن قيل لا فرق بين الضلالة والضلالِ وكلاهما مصدر قولنا ضَلَّ يَضِلُّ ضَلالاً وضلَّ يَضِلُّ ضَلالةِ كما يقال لَذَّ يلِذُّ [ لذاذا ] ولذاذة