والكلام على هذا البيت كالكلام على البيت الذي قبله .
ومثله ورد قول بعض المتأخرين فؤاد فيه ما فيه .
وعلى هذا ورد قولي في فصل من تقليد لبعض الوزراءِ فقلت وأنت مؤهل لواحدة متخلق لها غرر الجيادِ وتناديها العلياء بلسان الإحمادِ وتفخر بها سمر الأقلام على سمر الصِّعادِ فابسط يدك لأخذ كتابهاِ واسمع لطيب ذكرها بعد سعيك في طلابهاِ واعلم أن الخُطَّاب إليها كثير لكنها صدت بك عن خُطَّابهاِ ولقد مضى عليها زمن وهي نفور حتى استقادها تأنيسكِ ولم تسبق الأقدار باسمك إلا لتكون سليمانها وهي بلقيسك .
وهذا الوزير كان اسمه سليمان فسقت المعنى إليهِ فجاء كما تراه من الحسن واللطافة .
أما قولي ( وأنت مؤهل لواحدة ) فإنه من الإبهام من غير تفسيرِ وذلك بخلاف ما ورد في الآية المقدم ذكرها لأن تلك من التفسير بعد الإبهام .
ومما ينتظم في هذا السلك الاستثناء العدديِ وهو ضرب من المبالغة لطيف المأخذِ وفائدته أن أول ما يطرق سمع المخاطب ذكر العقد من العددِ فيكثر موقع ذلك عندهِ وهو شبيه بما ذكره من الإبهام أولاً ثم التفسير بعده ثانياًِ وذلك كقول القائل أعطيته مائة إلاّ عشرةِ أو أعطيته ألفاً إلاّ مائةِ فإن ذلك أبلغ من أن لو قال أعطيته تسعينِ أو تسعمائة .
وعليه ورد قوله تعالى ( ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ) ولم يقل تسعمائة وخمسين عاماً لفائدة حسنةِ وهي ذكر ما ابتلي به نوح من أمتهِ وما كابده من طول المصابرة ليكون ذلك تسلية لرسول الله فيما يلقاه من أمتهِ وتثبيتاً لهِ فإن ذكر رأس العدد الذي هو منتهى العقود وأعظمها أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدة صبره وما لاقاه من قومه