وعلى هذا الأسلوب ورد قوله تعالى ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلاّ نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) فإنه قال أولاً ( أعظكم بواحدة ) فأبهم الواحدةِ ثم فسرها بقوله ( أن تقوموا لله مثنى وفرادى وأن تتفكروا ) .
وهذا في القرآن الكريم كثير الاستعمال .
وأما الإبهام من غير تفسير فكثير شائع في القرآن الكريم أيضاًِ كقوله تعالى ( وفعلت فعلتك التي فعلت ) وكذلك ورد قوله تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) أي للطريقة أو الحالة أو الملة التي هي أقومها وأسدهاِ وأي ذلك قدرت لم تجد له مع الإفصاح ذوق البلاغة التي تجده مع الإبهامِ وذلك لذهاب الوهم فيه كل مذهبِ وإيقاعه على محتملات كثيرة .
وهذا كقول القائل لو رأيت علياً بين الصفينِ فإنه لو وصفه مهما وصف من نجدة وشجاعة وثبات وإقدام وأطال القول في ذلك لم يكن بمثابة ما يترامى إليه الوهم مع الإبهامِ وهذا للعارف برموز هذه الصناعة وأسرارها .
وعلى هذا الأسلوب ورد قوله تعالى ( فغشيهم من اليم ما غشيهم ) وأبلغ من ذلك قوله تعالى ( والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى ) فإنه قال في تلك الآية ( فغشيهم من اليم ما غشيهم ) فذكر اليمِ وهو البحر فصار الذي غشيهم إنما هو منه خاصةِ وقال في هذه الآية ( فغشّاها ما غشى ) فأبهم الأمر الذي غشّاها بهِ وجعله عاماً وذلك أبلغ لأن السامع يذهب وهمه فيه كل مذهب .
وأما ما جاء من ذلك شعراً فكقول البحتري .
( بَعِيدُ مَقيِلِ الصَّدْرِ لا يُدْرِكُ الَّتي ... يُحَاوِلُهَا مِنْهُ الأَرِيبُ المُخَادِعُ )