فالجواب عن ذلك أني أقول إن كان سؤالك عن فائدتهما فإنهما في الفائدة سواءِ وذلك أنهما إنما يرادان لتعظيم الحالِ والإعلام بفخامة شأنهماِ وإن كان سؤالك عن الفرق بينهما في العبارة فإني أقول المضمر يأتي بعد مظهر تقدم ذكره أولاًِ ثم يعطف المظهر على ضميره أي على ضمير نفسهِ كالمثال الذي ضربناه في بني تميمِ وأما التفسير بعد الإبهام فإن المبهم يقدم أولاًِ وهو أن يذكر شيء يقع عليه محتملات كثيرةِ ثم يفسر بإيقاعه على واحد منهاِ وليس كذلك عطف المظهر على ضميره .
ومما جاء من التفسير بعد الإبهام قوله تعالى ( وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ) ألا ترى كيف قال ( أهدكم سبيل الرشاد ) فأبهم سبيل الرشاد ولم يبين أي سبيل هوِ ثم فسر ذلك فافتتح كلامه بذم الدنيا وتصغير شأنهاِ ثم ثنّى ذلك بتعظيم الآخرة والاطلاع على حقيقتهاِ ثم ثلث بذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلفِ وينشط لما يزلفِ كأنه قال سبيل الرشاد هو الإعراض عن الدنياِ والرغبة في الآخرةِ والامتناع من الأعمال السيئة خوف المقابلة عليهاِ والمسارعة إلى الأعمال الصالحة رجاء المجازاة عليها .
وكذلك ورد قوله تعالى ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل ) فإنه إنما قال ( القواعد من البيت ) ولم يقل قواعد البيت لما في إبهام القواعد أولاً وتبيينها بعد ذلك من تفخيم حال المبين ما ليس في الإضافة .
ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى ( وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى ) فإنه لما أراد تفخيم ما أمل فرعون من بلوغه أسباب السموات أبهمها أولاً ثم فسرها ثانياًِ ولأنه لما كان بلوغها أمراً عجيباً أراد أن يورده على نفس متشوفةِ إليه ليعطيه السامع حقه من التعجبِ فأبهمه ليشوف إليه نفس هامانِ ثم أوضحه بعد ذلك