النوع السابع .
في التفسير بعد الإبهام .
اعلم أن هذا النوع لا يعمد إلى استعماله إلا لضرب من المبالغةِ فإذا جيء به في كلام فإنما يفعل ذلك لتفخيم أمر المبهم وإعظامه لأنه هو الذي يطرق السمع أولاً فيذهب بالسامع كل مذهب كقوله تعالى ( وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ) ففسر ذلك الأمر بقوله ( أن دابر هؤلاء مقطوع ) وفي إبهامه أولاً وتفسيره بعد ذلك تفخيم للأمرِ وتعظيم لشأنهِ فإنه لو قال وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع لما كان بهذه المكانة من الفخامةِ فإن الإبهام أولاً يقع السامع في حيرة وتفكر واستعظام لما قرع سمعهِ وتشوفً إلى معرفته والاطلاع على كنهه .
وعلى نحو من هذا جاء قوله تعالى ( قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننّا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم ) ففسر ( ما يوحى ) بقوله ( أن اقذفيه ) وهذا كالأول في إبهامه أولاً وتفسيره ثانياً .
ومثال هذا ورد قوله تعالى في سورة أم الكتاب ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ) فإنه إنما قال ذلك ولم يقل اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم لما في الأول من التنبيه والإشعار بأن الصراط المستقيم هو صراط المؤمنين فدل عليه بأبلغ وجهِ كما تقول هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل لأنك تثبت ذكره مجملاً مفصلاًِ فجعلته علماً في الكرم والفضل كأنك قلت من أراد رجلاً جامعاً للخصلتين جميعاً فعليه بفلان .
فإن قيل فما الفرق بين عطف المظهر على ضميره وبين التفسير بعد الإبهام فإن المضمر كالمبهم ؟