الكافرين ) ألا ترى أنه قال أولاً ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) فذكر مضمراً تقدم الكلام فيهِ ثم عطف المظهر الذي هو له وهو قوله ( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) وكان العطف لو أضمر كما أضمر الأول لقيل ثم أنزل الله سكينته عليكم وأنزل جنوداً لم تروهاِ وفائدة الإظهار ههنا للمعطوف بعد إضماره أولاً التنويه بذكر رسول الله وذكر المؤمنينِ أو لأن الأمر عظيمِ وهو الانتصار بعد الفرارِ فأي الأمرين قدر كان لإظهار المعطوف مناسباًِ وهكذا يكون عطف المظهر على ضميره فإنه يستند إلى فائدة يهم ذكرها فإن لم يكن هناك مثل هذه الفائدة وإلا فلا يحسن الإظهار بعد الإضمار .
وكذلك جاء قوله تعالى ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ) فإنه إنما قال ( وقال الذين كفروا ) ولم يقل وقالوا كالذي قبله للدلالة على صدور ذلك عن إنكار عظيمِ وغضب شديدِ وتعجب من كفرهم بليغِ لا سيما وقد انضاف إليه قوله ( وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم ) وما فيه من الإشارة إلى القائلين والمقول فيهِ وما في ذلك من المبادهةِ كأنه قال وقال أولئك الكفرة المتمردون بجزاءتهم على الله ومكابرتهم لمثل ذلك الحق المبين قبل أن يتدبروه إن هذا إلا سحر مبين .
وعلى نحو من ذلك ورد قوله تعالى ( ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ) وكان القياس أن يقال وقالوا هذا ساحر كذابِ عطفاً على ( عجبوا ) وإنما أتى باسم الكافرين مظهراً بعد إضماره للإشعار بتعظيم ما اجترءوا عليه من القول في أمر النبي ِ أو لأن هذا القول كان أهم عندهمِ وأرسخ في نفوسهمِ فصرح باسم قائله دلالة على ما كان في أنفسهم منه