( فَعَلِمْنَا أن لَيْسَ إلاَّ بشِقِّ النَّفْسِ ... صَارَ الْكَرِيمُ يُدْعَى كَرِيمَا ) .
فالساحل والقليب يستخرج منهما تأويلان مجازيان أحدهما أنه أراد بهما الكثير والقليل بالنسبة إلى الساحل والقليب والآخر أنه أراد بهما السبب وغير السبب فإن الساحل لا يحتاج في ورده إلى سبب والقليب يحتاج في ورده إلى سبب وكلا هذين المعنيين مجاز فإن حقيقة الساحل والقليب غيرهما والوجه هو الثاني لأنه أدل على بلاغه القائل ومدح المقول فيه أما بلاغة القائل فالسلامة من هجنة التكرير بالمخالفة بين صدر البيت وعجزه فإن عجزه يدل على القليل والكثير لأن البارض هو أول النبت حين يبدو فإذا كثر وتكاثف سمي جميما فكأنه قال أخذنا منه تبرعا ومسألة وقليلا وكثيرا وأما مدح المقول فيه فلتعداد حالاته الأربع في تبرعه وسؤاله وإكثاره وإقلاله وما في معاناة هذه الأحوال من المشاق .
فهذا ما يتعلق بالترجيح البلاغي بين الحقيقة والحقيقة وبين المجاز والمجاز وبين الحقيقة والمجاز .
وههنا ترجيح آخر لا يتعلق بما أشرنا إليه إذ هو خارج عما تقتضيه المعاني الخطابية من جهة الفصاحة أو البلاغة وذلك أن يرجح بين معنيين أحدهما تام والآخر مقدر أو يكون أحدهما مناسبا لمعنى تقدمه أو تأخر عنه والآخر غير مناسب أو بأن ينظر في الترجيح بينهما إلى شيء خارج عن اللفظ فمثال المعنيين المشار إليهما أن المعنى التام هو الذي يدل عليه لفظه ولا يتعداه وأما المقدر فهو الذي لا يدل عليه لفظه بل يستدل عليه بقرينة أخرى وتلك القرينة قد تكون من توابعه وقد لا تكون