تعظيم لأمر المعصية وغير السمع والبصر أعظم في المعصية لأن معصية السمع إنما تكون في سماع غيبة أو في سماع صوت مزمار أو وتر أو ما جرى هذا المجرى ومعصية البصر إنما تكون في النظر إلى محرم وكلتا المعصيتين لا حد فيهما وأما المعاصي التي توجد من غير السمع والبصر فأعظم لأن معصية اليد توجب القطع ومعصية الفرج توجب جلد مائة أو الرجم وهذا أعظم فكان ينبغي أن تخص بالذكر دون السمع والبصر وإذا ثبت فساد ما ذهبت إليه فلم يكن المراد بالجلود إلا الفروج خاصة .
وأما مثال المعنيين إذا كانا حقيقيين فقول النبي ( التمسوا الرزق في خبايا الأرض ) والخبايا جمع خبيئة وهو كل ما يخبأ كائنا ما كان وهذا يدل على معنيين حقيقيين أحدهما الكنوز المخبوأة في بطون الأرض والآخر الحرث والغراس وجانب الحرث والغراس أرجح لأن مواضع الكنوز لا تعلم حتى تلتمس والنبي لا يأمر بذلك لأنه شيء مجهول غير معلوم فبقي المراد بخبايا الأرض ما يحرث ويغرس .
وكذلك ورد قوله ( إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال ) وهذا الحديث مرخص في ترك صلاة الجماعة بسبب المطر وله تأويلان أحدهما أنه أراد نعال الأرض وهو ما غلظ منها والآخر أنه أراد الأحذية والوجه هو الثاني لظهوره في الدلالة على المعنى وأكثر العلماء عليه ولو كان المراد به غلظ من الأرض لخرج عن هذا الحكم كل بلد تكون أرضه سهلة لا غلظ فيها .
وأما مثال المعنيين المجازيين فقول أبي تمام .
( قَدْ بَلَوْنَا أَبَا سَعِيدٍ حَدِيثاً ... وَبَلَوْنَا أَبَا سَعِيدٍ قَدِيمَا ) .
( وَوَرَدْنَاهُ سَاحِلاً وَقَلِيباً ... وَرَعَيْنَاهُ بَارِضاً وَجَمِيما )