الحقيقة والمجاز فإنه يعلم ببديهة النظر لمكان الاختلاف بينهما والشيئان المختلفان يظهر الفرق بينهما بخلاف ما يظهر بين الشيئين المشتبهين .
فمثال الحقيقة والمجاز قوله تعالى ( ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ) فالجلود ههنا تفسر حقيقة ومجازا أما الحقيقة فيراد بها الجلود مطلقا وأما المجاز فيراد بها الفروج خاصة وهذا هو الجانب البلاغي الذي يرجح جانب المجاز على الحقيقة لما فيه من لطف الكناية عن المكنى عنه وقد يسأل ههنا في الترجيح بين الحقيقة والمجاز عن غير الجانب البلاغي ويقال ما بيان هذا الترجيح فيقال طريقة لفظ الجلود عام فلا يخلو إما أن يراد به الجلود مطلقا أو يراد به الجوارح التي هي أدوات الأعمال خاصة ولا يجوز أن يراد به الجلود على الإطلاق لأن شهادة غير الجوارح التي هي الفاعلة شهادة باطلة إذ هي شهادة غير شاهد والشهادة غير شاهد والشهادة هنا يراد بها الإقرار فتقول اليد أنا فعلت كذا وكذا وتقول الرجل أنا مشيت إلى كذا وكذا وكذلك الجوارح الباقية تنطق مقرة بأعمالها فترجح بهذا أن يكون المراد به شهادة الجوارح وإذا أريد به الجوارح فلا يخلو إما أن يراد به الكل أو البعض فإن أريد به الكل دخل تحته السمع والبصر ولم يكن لتخصيصهما بالذكر فائدة وإن أريد به البعض فهو بالفرج أخص منه بغيره من الجوارح لأمرين أحدهما أن الجوارح كلها قد ذكرت في القرآن الكريم شاهده على صاحبها بالمعصية ما عدا الفرج فكان حمل الجلد عليه أولى ليستكمل ذكر الجميع الآخر أنه ليس في الجوارح ما يكره التصريح بذكره إلا الفرج فكني عند بالجلد لأنه موضع يكره التصريح فيه بالمسمى على حقيقته .
فإن قيل إن تخصيص السمع والبصر بالذكر من باب التفصيل كقوله تعالى ( فاكهة ونخل ورمان ) والنخل والرمان من الفاكهة .
قلت في الجواب هذا القول عليك لا لك لأن النخل والرمان إنما ذكر التفضيل لهما في الشكل أو في الطعم والفضيلة ههنا في ذكر الشهادة إنما هي